تسييس التلفزيون

TT

كثيرون اهتموا بدقائق الحديث عن تفاصيل المسلسلات الرمضانية، لكن الأهم معرفة الدراما خلف الدراما.

ففي هذا الموسم اتضح بشكل قاطع أن القواعد الأساسية قد سقطت بالضربة القاضية بعد أن تغير حساب المشاهدين والمحطات المضمونة. سباق المشاهدة مسألة مهمة، لأنه يقرر المكانة في المجتمع الإعلامي، والمدخول الإعلاني. ويعد رمضان، تحديدا، بأنه أهم الأشهر عند صناع البرامج، ليس لمكانته الدينية، بل لكونه أكثر الفترات التي «يتربع» فيها الناس أمام الشاشة منذ لحظة صفارة الإفطار.

ففي السعودية تقرر كوميديا «طاش ما طاش» أي محطة يشاهدها السعوديون. وفي مصر حسم «الملك فاروق» معركة الشهر. أما في سورية، وبقية الدول العربية، فقد هيمن على بيوتها «باب الحارة». وكل هذه الثلاثة تظهر مجتمعة على شاشة واحدة هي الـ«ام بي سي»، التي فازت مستخدمة تكتيكين، الأول اختيار الموضوع، والثاني الإشراف على الإنتاج. لذا تغلبت على أهم عدوين هما تقنية البث الأرضي الأسهل استقبالا من الفضائي، والثاني عادة المشاهدين بالجلوس التلقائي أمام القنوات المحلية.

مصر كانت ساحة قتال بين المحطات المصرية الخاصة والعامة، أسعدت المشاهدين، حيث تطورت البرمجة فيها سريعا. باستثناء رمضان حيث أدار المشاهدون أنظارهم الى مكان آخر.

يصف احد النقاد التطور الجديد، فيقول: «لا ندري كيف صار الناس يتفرجون على الزاوية البعيدة من الملعب حيث يعرض الملك فاروق». الذي حدث أن خبراء التلفزيون أطلقوا حكمهم مبكرا. قالوا أن فيلما عن الملك فاروق محكوم عليه بالفشل، لأنه عن تاريخ مصري قديم، ولا يلعب فيه نجم مصري دور البطولة، ولا يبث على محطة مصرية. ثبت أنهم على خطأ مع انه فيلم مصري، على محطة خليجية، بإخراج سوري، وبطل سوري، ومع هذا كسب إعجاب المصريين، أو معظمهم. السينارست انور عكاشة، جريا على عادته، استجداء لتعاطف رفاقه النقاد، شن هجوما على المحطات الخليجية النفطية. للإحاطة فقد بث مسلسله «المصراوية» فقط على قناة دبي، الألمانية، عفوا أعني الخليجية!

وعلى خطى عكاشة، هاجم بعض المنتجين السوريين الخليجيين. قالوا إن هناك قرارا سياسيا بمقاطعة الأعمال السورية، والإيماءة هنا لنفس المحطات. لكن كالعادة هذا عذر المنتج البليد، بدليل أن المسلسل الأول عربيا هو «باب الحارة» السوري على قناة الـ«إم بي سي» الخليجية، وهي التي منحت في الشهر نفسه «الملك فاروق» لفريق سوري.

صارت محاولات تسييس العمل الفني حكاية مملة، لم تعد تحرك السوق، خاصة أننا نرى تطورا حقيقيا في المجال الدرامي بفضل المنافسة المفتوحة. لا أحد يستطيع أن يحتكر النجومية أو يقرر من يشاهد ماذا، فالجمهور هو صاحب القرار الأخير.

[email protected]