دردشة مع أبو الهول

TT

ذهبت هذا الأسبوع لرؤية أبو الهول، وجلست أنظر إلى وجهه وأنا أتأمل أنفه المكسور، وقد يكون أبو الهول بالنسبة إلى بعض الناس مجرد تمثال ضخم من الحجر، أما بالنسبة لي فأبو الهول هو شاهد على ماضينا، ولا يزال يخفى الكثير من أسرار حضارتنا. ومر على أبو الهول عبر آلاف السنين شخصيات شهيرة، ملوك وفراعنة وملكات وأمراء وقادة جيوش ورؤساء دول وفنانون وغيرهم. ولن أنسى اليوم الذى سقط فيه حجر من جسم أبو الهول وانتشر الخبر فى كل مكان ونقلته الصحف لكل أنحاء العالم واستغله البعض للأسف للانتقام والنيل من بعضهم بعضا.. تذكرت كل هذا وأنا جالس بين مخلبي أبو الهول. وكانت بداية القصة بمجرد عودتي من بعثة الدكتوراه إلى مصر، وتحملت مسؤولية العمل بمنطقة الهرم، وفوجئت بأن عمال الترميم كانوا يخلعون الأحجار الأثرية من جسم التمثال ويضعون بدلاً منها أحجارا كبيرة تغير الشكل الأثرى للتمثال مع استعمال الإسمنت للصق هذه الكتل، وعلى الفور أوقفت هذه الأعمال. وجاءني صحفى شهير من جريدة «الفرنكفورتر» الألمانية ليسألني عن الطريقة العلمية التي سوف تتبع لعلاج أبوالهول، أقدم مريض في الوجود، وفي الواحدة والنصف ظهراً ترك الصحفى مكتبي لكي يصور التمثال، وفي اللحظة التي كان يقف فيها لتصوير أبو الهول سقط أمامه حجر من الكتف الأيمن.

وفي اليوم التالي حضر فاروق حسني وزير الثقافة لزيارة التمثال والاطمئنان عليه، ورفض المرحوم أحمد قدري رئيس هيئة الآثار، في ذلك الوقت، أن يذهب معه، وبدأت المعركة التي انتهت بإقالة أحمد قدري من منصبه، مما جعل بعض المغرضين يعلنون أن هناك مؤامرة لكسر كتف أبو الهول لإقالة قدري! ونظرت إلى وجه أبو الهول وأنا أحدث نفسي متى نتوقف عن إقحام أبو الهول في السياسة؟ فقد حدث أن كان فؤاد العرابي مسؤولاً عن هيئة الآثار، وتصادف أن سقطت مجموعة من الأحجار من الجانب الشمالي للتمثال، واستغل الحادث لإقالة العرابي، وتولى أحمد قدري بدلاً منه، وبعد سنوات حدث معه نفس الشيء.

وأمام صدر أبو الهول لوحة ضخمة من الجرانيت الوردي كتب عليها قصة تعرف باسم (الحلم)، مفادها أن الأمير «تحتمس» جاء في وقت الصيف ليستظل بالتمثال بعد عناء رحلة صيد شاقة فغلبه النعاس، وجاء إليه أبو الهول في المنام يشتكي إليه من أن الرمال قد أحاطت بجسده كله تكاد تخنقه وأنه يطلب إزالة هذه الرمال من حوله حتى يستطيع التنفس.. وأخبره أنه إذا قام بهذا العمل فسوف يجعله ملكاًَ على مصر. وبعد ذلك أصبح الأمير «تحتمس» ملكاً على مصر وقام بتنفيذ وصية أبو الهول.

واكتشف علماء الآثار أن «تحتمس» قتل أخاه الأكبر، الذى كان أحق بالعرش منه، وأراد أن يثبت للشعب أن اختياره ملكاً جاء بناء على رغبة إله الشمس «حور إم آخت»، أي (حورس في الأفق)، وكان هذا هو اسم أبو الهول في الدولة الحديثة، أي منذ حوالي ثلاثة آلاف عام.

وهنا نجد أن قدر أبو الهول أن يقحم في السياسة ويستغل في الانتقام قديماً وحديثاً...