بطاقة بديلة

TT

كلما تقدم المرء في السن تضاءل حجم مفكرته. او دفتر الهواتف. ولكل انسان علاقة حميمة مع هذا الدفتر. وحده يعرف ويقدر مدى الخسارة التي تقع، عندما يأخذ قلماً ويشطب، بسهولة او صعوبة او حزن، اسماً من اصحاب الاسماء التي رافقها ورافقته. بعض الاسماء يحذفها الغياب. بعضها الآخر يحذفها ذلك الحكم القاسي الذي يحل على الصداقة او الرفقة، عندما تنتهي، لسبب كبر، او لما هو اسوأ، اي بلا سبب. وعندما يحدث ذلك اشعر ان اقصى ما يمكن ان افعله، هو شطب الاسم. ورقم الهاتف. حتى المعايدات لا تعود ضرورية، او مقبولة. وتتعرض الصداقات لما يتعرض له سكان الادغال في افريقيا: لا بد ان الساحر هو الذي اصدر الحكم. احرق قليلا من عظام السحايا وقليلا من قشر المانغو وردد فوق النار والدخان كلاما لا يعرفه سواه. وضرب الصداقة متعمدا.

يصبح دفتر العناوين اهم الدفاتر في المقتنيات الورقية. انه قاموس الاصدقاء ومحيط المحبة. تعود اليه عندما تفعمك الذكرى. عندما تكون وحيدا. عندما تريد المشاركة في فكرة او كتاب او دعابة. ومن دونه تشعر انك فقدت الجدار الذي تستند اليه عندما يدب بك التعب فجأة وسط الطريق.

كان دفتري الاخضر الصغير وغير المزخرف مثل الدفاتر البسيطة التي كنا نشتريها من الدكاكين. ولو عثر عليه أحد مرميا في مكان فلن يثير حتى فضوله. وعندما ضاع مني قبل اسبوعين شعرت انه قد يعاد اليّ. فهو لا يعني شيئاً لأحد سواي. لكنني عبثاً انتظرت. لم يعتقد من عثر عليه انه من الضروري حتى ان يرده الى صاحبه. مجرد اسماء قليلة مكتوبة بخط بدأ يتعرَّج، وتقع فيه النقط بعيدا عن احرفها.

يحدث ذلك دائماً للدفاتر الشخصية. لا احد يدري ماذا تعني لأن ما تعنيه لا تعنيه الا لك. وعندما حل عيد الفطر اكتشفت معنى ذلك القاموس القليل. عبثا بحثت عنه في فوضاي واوراقي وما تراكم من كتب. وكيف اشرح للذين كنت اعايدهم في مثل هذا الوقت ان مثل هذا الأمر يحدث مرة في العمر. وقد اختار ساحر الادغال ان يأخذه مني عشية العيد. او عصرية العيد، كما كان يغني الرخيم الارخم عوض الدوخي ايام شبابنا «صوت السهارى يوم مروا عليّا عصرية العيد». وما مررنا بالسهارى ولا مروا بنا. وأهل الحداثة استبدلوا الدفاتر منذ زمن بتقنية الموبايل. لكنني لا ازال في العصر الورقي. وعندما ذهبت اخيرا لشراء «محبرة» ظن البائع الشاب في المكتبة انني امزح. ولم يقتنع.