سيارة بالأقساط

TT

لفت نظري قبل سنوات خبر في «الديلي اكسبرس» يشير الى ملك العراق. قلت على بركة الله، هل عاد الى بغداد ملك العراق؟ دققت بالخبر واذا به يشير الى افلاس احد الكراجات في لندن. ما الذي جر ملك العراق الى افلاس هذا الكراج؟ هل كان شريكا فيه وخسر رصيده؟

تبين ان ادارة الكراج قامت بتصفية اوراقها ضمن عملية إشهار افلاسها. واثناء ذلك وقع نظرهم على عقد بيع سيارة للملك فيصل الاول. يظهر ان مؤسس الدولة العراقية لم يكن يملك سيارة خاصة. كانت لديه سيارة البلاط الرسمية التي كانت مخصصة لمهمات الدولة. لربما كان عليه ان يحصل على إذن من مدير التشريفات كلما هم باستعمالها.

وكان في زيارة للندن ورأى كل هذه السيارات البديعة تملأ الشوارع فخطر له ان يشتري واحدة منها لاستعماله الخاص. لكن لدى استفساره ادرك ان اسعارها تتجاوز كل ما ملكه. فقرر النزول الى مستوى السيارات المستعملة. عثر على واحدة مرسيدس سكند هاند، ربما كانت قد استعملتها قبله وهي جديدة، احدى فنانات الكباريه او احد تجار البطاطس او الكرنب.

بعد كثير من المساومة اتفقا على السعر. و مع ذلك فإن الملك فيصل وجد انه غير قادر على تسديد الثمن. فاقترح على صاحب الكراج شراءها بالتقسيط فشعر الرجل بكثير من الحرج. لم يكن من اسلوبه البيع بالسلفة لأجنبي فسأله هل عندك كفيل في هذا البلد يكفلك؟ مشكلة جديدة. خرج الملك فيصل يبحث عن كفيل له في لندن. طرح الموضوع على وزارة الخارجية البريطانية، لعلهم يجدون كفيلا له. وكان الموظف المسؤول طيب القلب فتطوع وقال: نحن نكفلك للبائع بأنك ستسدد له اقساطه شهرا بشهر. وهو ما كان، كما يقول عقد البيع. المشتري: فيصل بن حسين. المهنة: ملك. العنوان الدائم: البلاط الملكي، محلة الميدان، بغداد. الكفيل وزارة الخارجية البريطانية.

ما ان قرأت الخبر حتى اسرعت الى السيد ناجي صبري الحديثي الذي كان الملحق الصحافي للسفارة العراقية في لندن. اعلمته به، واقترحت عليه ان يبعث بمن يستخرج لنا تلك الوثيقة النادرة من زبالة الكراج المذكور، ولو بعد دفع باونين أو ثلاثة الى البواب او الحارس ليسمح بذلك. ثم تحفظ الوثيقة ضمن الوثائق التاريخية للدولة العراقية. قلت ذلك واذا بالسيد ناجي الحديثي يدير وجهه بعيدا عني في استنكار وعجب. ولكنني طبعا ادركت لماذا فعل ذلك. هذه حكاية لا تسر صدام حسين ورجال الحكم في بغداد.

وعلى كل فقد وصلت سيارة المرسيدس السكند هاند الى بغداد. وكان يوما حافلا وبهيجا من الايام القليلة البهيجة التي ذاقها المغفور له في حياته، يوم استقبل تلك السيارة. ووضع البنزين فيها وانطلق بها يشم الهواء في يوم من الايام الجميلة في بغداد.