الأردن: لا تغيير في الخريطة السياسية بعد الانتخابات التشريعية

TT

بقي شهر واحد على موعد إجراء الانتخابات التشريعية الأردنية التي من المفترض أن تجري أوائل الثلث الأخير من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فيما دارت أيضاً حوارات ونقاشات على مدى هذه السنة الأخيرة حول ما إذا كان الإخوان المسلمون سيقاطعون هذه الانتخابات الجديدة كما كانوا قاطعوا انتخابات عام 1997 التي قاطعوها بحجة أن الحكومة قررت إجراءها وفقاً لقانون الصوت الواحد الذي اعتبروه موجهاً ضدهم وضد تأثيرهم الفاعل في «البرلمانين» اللذين أعقبا العودة مجدداً للمسار الديموقراطي عام 1989 بعد توقف استمر لأكثر من ثلاثين عاماً. وحقيقة أن هؤلاء لجأوا إلى ترويج المزيد من الإشاعات بهذا الخصوص وعلى نطاق واسع، وذلك من قبيل السعي لاستعادة تعاطف الشعب الأردني من جهة، ومن جهة أخرى من قبيل ممارسة الضغط على الحكومة الأردنية التي تقصَّدوا الاشتباك معها واستفزازها في السنوات الأخيرة، لكنهم وبعد أن تأكدوا من أن الرياح تجري لغير مصلحتهم، اضطروا للقاء مفاجئ معها غيبوا عنه الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي زكي بني أرشيد الذي يوصف بأنه الأكثر تشدداً بين مجموعة الصقور «الإخوانية»، والذي يعتبر الأكثر قرباً من حركة «حماس» ومن قائدها المقيم في دمشق خالد مشعل. لكن ورغم هذه الإشاعات التي حرص «الإسلامويون» على تسريبها وترويجها على مدى السنة الماضية إلا أن قناعة غالبية الذين يتعاطون مع هذا الشأن؛ وفي مقدمتهم الحكومة والجهات الرسمية، أن هؤلاء لن يكرروا ما فعلوه عام 1997 ولن يقاطعوا انتخابات نوفمبر المقبلة لأن مقاطعتهم السابقة هذه المشار إليها كلفتهم كثيراً على صعيد رصيدهم الشعبي، ولأنها فرضت عليهم عزلة سياسية لمدة أربعة أعوام تعتبر أهم أعوام نهايات القرن الماضي. والمهم هنا هو أن العاهل الأردني عبد الله الثاني لم يقبل بنصائح الذين نصحوه بتأجيل انتخابات هذا العام إلى أن تهدأ أوضاع المنطقة وينتهي المأزق العراقي ويحل الفلسطينيون واللبنانيون مشاكلهم الداخلية، وقرر إجراء هذه الانتخابات في موعدها الدستوري في بدايات الثلث الأخير من نوفمبر المقبل. وكان رأيه أن التأجيل سيظهر الأردن مهزوزاً وغير واثق بنفسه، وأن دفع هذا الاستحقاق في وقته سيجعل المملكة الأردنية الهاشمية مستقرة وآمنة، وشعبها متماسك وموحد رغم كل هذه الزلازل والبراكين التي تضرب هذه المنطقة بعنف وشدّة من أقصاها إلى أقصاها.

تجدر الإشارة إلى أن العاهل الأردني حرص حرصاً شديداً على أن تسبق الانتخابات البلدية الانتخابات التشريعية، والهدف هو تعزيز الثقة بنفوس الأردنيين بأن بلدهم مستقرٌ وآمن وأنه لم يتأثر، رغم التداخل الجغرافي والديموغرافي، لا فقط مع ما يجري في العراق الذي له في الأردن جالية مهاجرة يصل عددها إلى نحو مليون نسمة وإنما أيضاً مع ما يجري في فلسطين حيث يسمع قاطنو مناطق عمان الغربية صياح الديكة في القدس والضفة الغربية. والآن، وقد حسم الإخوان المسلمون أمرهم قبل نحو أسبوع، وأعلنوا قائمتهم الرسمية حيث تضمنت اثنين وعشرين مرشحاً موزعين على ست عشرة دائرة انتخابية، أهمها بالنسبة إليهم دوائر عمان والزرقاء وإربد، جميعهم ممن يوصفون بحمائم هذا الحزب، فإن السؤال الجدير بالبحث عن إجابة له هو: كيف يا ترى ستكون الخريطة السياسية للمجلس النيابي الأردني الجديد .. وهل أن هذه الخريطة ستختلف عن خريطة المجلس السابق..؟!.

بداية لا بد من الإشارة إلى أن الإخوان المسلمين تقصدوا استبعاد أصحاب الرؤوس الحامية، والذين يوصفون بأنهم صقور هذه الحركة؛ ومن بين هؤلاء أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي الذي هو الوجه الآخر للعملة الإخوانية زكي بني أرشيد، من قائمتهم والسبب أولاً هو الخوف من أن هؤلاء سيضعفون الموقف «الإخواني» في المعركة الانتخابية المقبلة نظراً لعدم شعبيتهم وعدم تقبل الشارع الأردني لآرائهم ومواقفهم، وثانياً لأن هناك نية للتهدئة مع الحكومة ومع الجهات الرسمية الأردنية، وهذا يقتضي الذهاب إلى المرحلة القادمة بممثلين مقبولين يمكن التحاور معهم والالتقاء بهم في المنطقة الرمادية.

هذه مسألة وهناك مسألة أخرى لا بد من ذكرها، وهي أنه باستثناء الإخوان المسلمين الذين سيتنافسون مع التيار المؤيد للسياسات الأردنية الرسمية، فلن يكون هناك أي وجود حزبي فعلي في هذه المعركة الانتخابية المقبلة فالأحزاب الأربعة والثلاثون الأخرى المدرجة على كشوف وزارة الداخلية هي في أغلبها أسماء بلا مضامين وقيادات بلا جنود، ولذلك فإن أقصى ما يمكن أن تحققه هذه الأحزاب كلها، هو أن ترسل إلى مجلس النواب الجديد المقبل واحدا أو اثنين أو ثلاثة وبصفتهم العشائرية وليس بصفتهم الحزبية. هناك الآن تنظيم جديد واعد، قيد التشكيل، بدأ تحركه باندفاع هائل وكبير وأخذ يعمل تحت اسم: «التيار الوطني الأردني» يقول بعض رموزه إنه تلقى حتى الآن طلبات أكثر من أربعة آلاف من الذين يرغبون في الانتساب إليه وهذا التنظيم، الذي يعتقد الإخوان المسلمون انه سيكون الخصم الحقيقي لهم، يقول إنه سيكون حزباً وسطياً معتدلاً، وأنه لم ينشأ ليكون ضد الإسلاميين ولا ضد غيرهم، وأنه وإن كان سيكون حزب دولة مثله مثل جميع الأحزاب المرخصة الأخرى، فإنه لن يكون حزب الحكومات بالضرورة. والمؤكد هنا هو أن هذا التيار (الحزب) لن يستطيع المشاركة في هذه الانتخابات المقبلة مشاركة فعلية بقوائم رسمية لأن الفترة المتبقية حتى موعد هذه الانتخابات لا تكفيه لاستكمال بنيته التنظيمية وعقد مؤتمره التأسيسي الذي من المنتظر أن يكون انعقاده مظاهرة وطنية أردنية صاخبة.

وبهذا، فإن الاعتقاد الذي يصل حدود الجزم هو أن الخريطة السياسية للبرلمان الأردني المقبل لن تكون مختلفة عن خريطة البرلمان السابق.. أي وجود «ديكوري» غير فاعل وغير مؤثر للإخوان المسلمين وأكثرية كاسحة من المعتدلين المؤيدين للنظام والسياسات الرسمية، والذين إن هم اختلفوا فإن اختلافهم لن يكون على ما يعتبر ثوابت أردنية لا يجوز الاقتراب منها أو مسها وسيقتصر على المسائل الثانوية غير الأساسية. ربما يكون البرلمان المقبل أكثر نشاطاً وأكثر رشاقة من سابقه لكن وبصورة عامة، فإن الخريطة السياسية المتوقعة لن تختلف كثيراً عن خريطة البرلمان الأخير؛ فالإسلاميون سيبقون بحجمهم السابق وربما يتراجعون قليلاً، والأحزاب الأخرى الأربعة والثلاثون لن يكون لها أي حضور أو تمثيل إلا بحدود عضو أو عضوين أو ثلاثة أعضاء في أفضل الأحوال، وهذا معناه أن الواقع السياسي سيبقى على ما هو عليه؛ اللهم إلا إذا جاءت ولادة «التيار الوطني الأردني» هذا، المشار إليه آنفا، مختلفة وأثبت هذا التيار وجوده وبسرعة برامجه في الحياة السياسية والاجتماعية الأردنية.

لم يبق على موعد الانتخابات التشريعية الأردنية إلا أقل من شهر، وهذه الانتخابات ستجري في تاريخها المحدد. بالتأكيد هذا إذا لم يطرأ في المنطقة ما يجعل إجراءها مستحيلاً وهنا فإن ما هو المؤكد هو أن نصيب الإخوان المسلمين في نتائجها سيكون بحدود نصيبهم في البرلمان السابق، ثم ان المؤكد أيضاً أن هؤلاء أي الإخوان المسلمين سيلصقون مسبقاً بهذه الانتخابات، وفقاً لعادتهم وعلى غرار ما يحصل دائماً، تهم التزوير والفساد من أجل التشويه وبغرض الإساءة، لكن ما يدعو للاطمئنان أن الوحدة الوطنية الأردنية متينة وراسخة وقوية، وأن الأردنيين ملوا الشعارات والأهازيج الثورية والجهادية، وأنهم غدوا أكثر واقعية وباتوا يركزون على لقمة العيش والحياة أكثر من تركيزهم على الكلام المنمق والوعود الوردية!