أميركا تربح .. ونحن ندفع الثمن

TT

طلب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من برلمان بلاده خلال هذا الأسبوع أن يصدق على تعبئة ضد حزب العمال الكردستناني، في إطار عمل وفعل أشار هو والقادة الأتراك لإمكانية أن يتضمن هجوما تركيا على المنطقة الكردية في العراق، فيما سيشكل هجوم من هذا القبيل تحديا عظيما وحرجا للعراق منذ أن تحررنا من صدام حسين في 2003، وربما يقود إلى تعريض نجاح المهمة الأميركية في العراق للفشل بصورة قاتلة.

المنطقة الكردية هي أكثر مناطق العراق أمنا وسلامة، ولكننا ربما ندفع في القريب ثمنا باهظا لقاء أعمال حزب العمال الكردستاني في تركيا، ومعها ثمن تصويت الكونغرس الأميركي على قراره حول أرمينيا، فيما لا ناقة ولا جمل للأمرين لا بأكراد العراق، ولا بالحكومة الإقليمية الكردية.

الحكومة الإقليمية الكردية لا تبحث عن نزاع مع تركيا، بل وعلى العكس، فهذه الحكومة الإقليمية تعتبر أن علاقات صداقة مع تركيا لها أسبقية قصوى. ونحن نعتبر كل الشعب التركي في عداد الأصدقاء الحميمين، والجيران الذين نملك معهم أمورا كثيرة مشتركة، فالتجارة والاستثمار التركي، على سبيل المثال، محوريان وفاعلان بالنسبة لنمونا الاقتصادي، وبالتالي فنحن حريصون على دفع الروابط بيننا إلى الأمام عبر الحوار المباشر مع أنقرة حول أي قضية وفي كل القضايا ذات الاهتمام المشترك. ومن هنا فلا بد من حل كل المشاكل ونقاط الخلاف عبر الدبلوماسية والحوار، وليس بالتهديد واستخدام القوة العسكرية.

ونحن ندين قتل الناس الأبرياء ونحن لا نعتقد أن العنف يمكن أن يحل يوما أية مشكلة. وقد دعمت حكومة كردستان الإقليمية جهود الوساطة الأميركية بين العراق وتركيا حول مسألة حزب العمال الكردستاني، وشجعت بالفعل الجهود الرامية إلى حل سياسي شامل لمشكلة حزب العمال الكردستاني، والتي لا يمكن حلها نهائيا بالوسائل العسكرية وحدها. والى ذلك فالحكومة الإقليمية في كردستان لم ولن تدعم أي أمر من شأنه إحداث اللااستقرار في تركيا أو في أي الدول المجاورة لنا، ونحن نحترم، بل ونمارس، مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين، ونتوقع أن يعاملنا الآخرون وفق هذا المبدأ أيضا. وفي هذا السياق فالأعمال العدائية الإيرانية وقصف القرى والمدن على طول حدودنا الشرقية لا بد وأن تتوقف. ومثلما هو موقفنا المذكور هنا من تركيا، فنحن لا نبحث عن مواجهة مع إيران. ولقد برهنا لتركيا وإيران، كل جيران العراق، ومنذ عام 1991، أن الأكراد عنصر استقرار في العراق والشرق الأوسط.

وقد لا تبدو المخاطر عالية على العراق والسلام والرفاه في المنطقة الكردية، التي برهنت على أنها البوابة والنموذج نحو عراق جديد. والأكراد هم أكبر الحلفاء لأميركا إخلاصا وثقة في السعي نحو عراق فدرالي وديموقراطي ومستقل. والأزمة الحالية على حدودنا جاءت في وقت غير مناسب وحرج بقراءتها مع السعي العراقي نحو المصالحة الوطنية، وهذا عمل كبير، مهما قيل عنه، فهناك تقدم فيه. في المقابل، فهناك إجماع يبزغ بين السياسيين العراقيين حول الفيدرالية، وهي الشكل الحكومي فيه دستوريا، وقد دعا مسعود البرزاني رئيس الحكومة الإقليمية الكردية إلى مؤتمر في أربيل يلتئم له القادة العراقيون لمناقشة كيفية تطبيق نظام حكم فيدرالي في البلاد، فتعددية العراق هي مصدر قوة وليست مصدر انقسام. والفيدرالية تعمل الآن في كل العالم، في أميركا، والإمارات العربية المتحدة، ودول أخرى. ولا بد من النظر إليها كحل، أكثر من كونها مشكلة، لجهة تحديات الحكم العميقة في العراق. فالفيدرالية ليست التقسيم كما أساء البعض فهمها وتقديمها. ونحن نقدر موقف أعضاء الكونغرس الذين فهموا واعترفوا بواقع وحقيقة الفيدرالية في العراق.

في المقابل، فبعض دول الجوار ترى ظلال استقلال قادمة عبر كل ما فعلناه في إقليم كردستان. فعند كتابة الدستور العراقي قبل أربع سنوات، أخذت القيادة الكردية قرارا حاسما بالبقاء كجزء من العراق، ونحن نبقى ملتزمين بذلك القرار والموقف اليوم، فنحن نعتقد اليوم أن مستقبلنا سيكون أفضل أمنا حين نكون مشاركا فعالا في عراق فيدرالي وديموقراطي وعلماني.

* رئيس إدارة العلاقات الخارجية بدرجة وزير في حكومة كردستان الإقليمية، خدمة واشنطن بوست، خاص بـ «الشرق الأوسط»