أميركا وممارساتها في العراق : ما الفرق إذن بين هتلر وبوش ؟

TT

لم تعد عبارة «بوش يكذب» ذات جدوى وتأثير. فالوقت قد حان كي نواجه واقعا أكثر قتامة يتمثل في أننا نكذب على أنفسنا.

قبل أيام كشفت «نيويورك تايمز» النقاب عن مذكرات سرية لوزارة العدل الاميركية توافق على التعذيب. الرئيس بوش أدلى من جانبه برده المألوف: «هذه الحكومة لا تعذب الناس». من المؤكد أن الأمر برمته يعتمد على ما هو معنى، أو تعريف، «التعذيب». الغرض الرئيسي من هذه المذكرات إعادة تحديد تعريف التعذيب حتى يصبح بوش قادرا على إعلان براءته.

تؤكد كل المعايير القانونية، باستثناء تلك التي يجيزها آلبيرتو غونزاليس، ان الولايات المتحدة تمارس التعذيب، وأننا نعرف هذه الحقيقة منذ ظهور أدلة عبارة عن صور فوتوغرافية من سجن أبو غريب قبل ما يزيد على ثلاث سنوات. جاء في مقال لآندرو سوليفان، الذي كان واحدا من مؤيدي بوش المتحمسين، نشرته «صنداي تايمز» في عددها الأخير، أن ما يطلق عليه «الاستجواب المكثف أو المتقدم» هو ذات التسمية التي ابتكرها الجستابو لوصف ما بات يعرف بـ«الدرجة الثالثة»، وأشار إلى أن هذا النوع من الاستجواب لا يترك آثارا، ويتضمن تعريض الشخص المراد استجوابه لدرجات حرارة منخفضة وإجباره على الوقوف أو الجلوس في أوضاع صعبة والحرمان من النوم لفترات طويلة.

إدارة بوش حاولت تبرئة نفسها بالتأكيد على أن ما حدث في أبو غريب كان سلوك بضعة عناصر فاسدة. لم يطرح الأمر بصورة جدية كشكوى بشأن وقوع تلك الحادثة سوى عدد قليل من أعضاء الكونغرس، واعتبر النقاش في نهاية الأمر «سياسة».. وقلبنا الصفحة.

لم تكن هناك ردود فعل تذكر لأحداث تعتبر جرائم حرب بواسطة أفراد يعملون في شركات الأمن الاميركية في العراق. ربما يعتقد البعض أنني أتهكم، لكنني أقول إن حديث لورا بوش الأسبوع الماضي عن انتهاكات حقوق الإنسان في بورما الأسبوع الماضي يبدو مناورة لصرف الأنظار عن انتهاكات الإدارة الاميركية نفسها أكثر منه مبادرة إنسانية تجاه ما يحدث هناك.

وعندما كانت تتحدث لورا بوش لقيت سيدتان مسيحيتان أرمنيتان حتفهما في بغداد على يد عناصر شركة أمن اميركية يتحمل دافع الضرائب الاميركي جزءا من الإنفاق عليها. صمت البيت الأبيض تجاه تلك الحادثة التي جاءت عقب مذبحة 16 سبتمبر التي راح ضحيتها 17 عراقيا في ساحة النسور ببغداد اثر إطلاق الرصاص عليهم من قبل عناصر تابعة لشركة بلاك ووتر الأمنية الاميركية المتورطة في 200 حادثة إطلاق نار منذ عام 2005. لم تجر مساءلة أحد. وحتى وزارة الخارجية الاميركية لم تطلع الجيش الاميركي أو الحكومة العراقية، اللتين وصفتا حادثة القتل بالعمل الإجرامي، على النتائج التي توصل إليها التحقيق في الحادثة.

المسلحون الذين قتلوا السيدتين الأرمنيتين يعملون في شركة مقرها دبي ويديرها استراليون، وهي شركة مسجلة في سنغافورة متعاقدة مع شركة اميركية مقرها في نورث كارولاينا. لن تكون هناك محاكمة، ولن نعرف تفاصيل ما حدث. كما أن مشروع قانون جديد أجيز بواسطة مجلس النواب يهدف إلى تنظيم عمل الشركات الأمنية لن يكون له اثر يذكر حتى إذا أصبح قانونا بصورته الحالية.

من الممكن أن نستمر في توجيه اللوم لإدارة بوش على الفظائع التي تحدث في العراق، بل يجب علينا أن نفعل ذلك. فبول بريمر، الحاكم الاميركي السابق للعراق والحائز على الميدالية الرئاسية للحرية على جهوده، أصدر الأمر الذي يمكن للشركات الأمنية التحايل على القوانين العراقية. لكننا يجب أن نلقي نظرة على مسؤولياتنا تجاه هذه الأعمال الإجرامية التي ترتكب باسمنا.

ظللت باستمرار أؤكد أن الرأي العام الاميركي آخر من يوجه إليه اللوم خلال فترة ما قبل الحرب. فالحرب قد روجت لها حملة دعائية ذكية ومثيرة للخوف من جانب البيت الأبيض ، وكان الهدف منها إثارة ذعر بلد كان لا يزال يعاني من صدمة هجمات 11 سبتمبر. فشل الكونغرس والصحافة في أداء واجبهما، ويمكن القول إنهما إذا نجحا في القيام به، لكان أثار المزيد من الاميركيين كثيرا من الاعتراضات. عاصفة الفشل الديمقراطي هذه بدأت من القمة.

وفي ابريل 2004 ذكرت مطبوعة «ستارز اند سترابس» أن قواتنا تستخدم سيارات مدرعة غير معدة طبقا للمواصفات باستخدام حقائب رمل، وبالرغم من ذلك عندما اشتكى الجنود إلى دونالد رامسفيلد في اجتماع في الكويت بعد ثمانية اشهر، شهر به اليمين. وتأخر حصول القوات على سيارات مدرعة مناسبة لعدة اشهر. وقد أجرت صحيفة «واشنطن بوست» تحقيقا، في أوائل هذا العام، بعد مرور أربع سنوات على سقوط أول الضحايا، لفت انتباه البلد على المعاملة السيئة لقدامى المحاربين، العديد منهم ضحايا للمدرعات غير المناسبة، في مركز وولتر ريد الطبي وغيره من المستشفيات العسكرية.

وعلمنا لأول مرة استخدام أشخاص كمرتزقة بعد حصار 4 من موظفي «بلاك ووتر» في الفلوجة في مارس 2004، قبل أسابيع من ظهور أول صور للتعذيب من سجن أبو غريب. وسألنا عدة أسئلة. وعندما ظهر تقرير في الصحف في أوائل الصيف الحالي بأن عناصر الشركات الأمنية في العراق (180 ألفا، يعتقد أن من بينهم 48 ألفا يعتقد أنهم من قوات الأمن) يزيدون على عدد قواتنا، فيما بعد زيادة عدد القوات، تثاءبنا.

ولم يكشف عن ضحايا الشركات الامنية ولا الضحايا الناجمة عن شركات الأمن.

وكانت خطة البيت الأبيض دائما هي توجهنا إلى تجاهل الحرب. وجزء من ذلك يمكن التوصل إليه عبر سرية بوش ـ تشيني التقليدية، من مذكرات التعذيب إلى حظر صور الأكفان العسكرية. ولكن الإدارة أكدت سلبيتنا عن طريق المطالبة بعدم مشاركة التضحيات. فالدولة التي تعرف عدم وجود دعوة غداء مجانية يسهل إقناعها بإمكانية وجود حرب حرة.

وبدلا من فرض ضرائب علينا من اجل الحرب في العراق، اشترانا البيت الأبيض بخفض الضرائب. وبدلا من تحريك القوات المطلوبة تركت مشروع قرار بشراء متطلبات شركات الأمن لتحسين نقاط الضعف في الجيش المنتشر في أكثر من مكان. ومع تحمل قوات متطوعة صغيرة لثقل الحرب بأكملها، لا يزيد عددها على 1 في المائة من السكان، فإن باقي السكان عليهم تجاهل ما يحدث في العراق.

لقد تجاهلنا فضائح شركات الأمن. ومنذ الفلوجة أصبح هذا الجيش الإضافي مؤشرا أساسيا لكل عناصر فشل الحرب: ليس فوق نقص قوة قواتنا ولكن أيضا تغريب قلوب وعقول العراقيين والتعهيد المنحرف لشركات الأمن لصالح محاسيب بوش ـ تشيني والمتبرعين لحملات الانتخابات.

وتبقى شركات الأمن مؤشرا على تقدم الحرب اليوم. فعندما تم إيقاف نشاط شركة بلاك ووتر لفترة قصيرة وبعد كارثة ساحة النسور، حظر على الدبلوماسيين الاميركيين تماما ترك المنطقة الخضراء.

وفي الأسبوع الماضي قدم لي بول ريكهوف، وهو من قدامى المحاربين في العراق، ويدير قدامى محاربي اميركا في العراق وافغانستان، صورة للكارثة المتوقعة. إذ قال إنه وإذا ما انفجرت الأوضاع في بغداد فإن شركات الامن، غير المسؤولة أمام التسلسل القيادي العسكري، يمكنها «إلقاء السلاح والعودة الى الوطن».

هذا السيناريو المحتمل هو واحد من الأمثلة على ان من مصلحتنا الوطنية الذاتية الاهتمام بالسياسة العراقية التي يعتمد البيت الأبيض على تجاهلنا لها. كما ان قضية شخصيتنا الوطنية أصبحت مطروحة أيضا. إن شركات الأمن التي لا تخضع للقانون هي صفعة على سيادة العراق المفروض أننا نؤيده، وإهانة للعسكريين الذين يحصلون على سدس مرتب أفراد شركات الأمن. وبالرغم من ذلك فقد تطلب الأمر قتلا جماعيا في ساحة النسور لتحسين اهتمامنا بهذا السرطان المنتشر في خطتنا للمعركة.

وبالمثل استمر الأمر حتى ديسمبر من عالم 2005 بعد سنتين ونصف السنة من تصريح بوش «استكمال المهمة»، لكي يشار إلى ضغط عام للاعتراف بعدد الضحايا العراقيين في الحرب. وحتى الان، بالرغم من بياناته المتكررة بان «اميركا لن تتخلى عن الشعب العراقي،» فلم يتدخل ولم يواجه بحسم مأساة 4 ملايين لاجئ عراقي، ونسبة كبيرة منهم من الأطفال. ولا يشعر بضغط من الرأي العام الاميركي للقيام بذلك، ولكن انتبهوا هنا لتجدوه يهتم اهتماما لا يذكر بدارفور.

إن مسارنا الأخلاقي بخصوص سنوات بوش لا يمكن أن تصوره بطريقة أفضل من لقاء مجموعة من القوات الخاصة من الحرب العالمية الثانية يزيد عددهم على 20 شخصا في واشنطن هذا الشهر كانوا قد شاركوا في عملية سرية للتحقيق مع 4 آلاف سجين نازي في الحرب. وحتى الآن ظلوا صامتين، ولكن سجل اميركا الأخير دفعهم للحديث إلى «واشنطن بوست».

وقال هنري كولم 90 سنة وهو فيزيائي في إم آي تي :«حصلنا على معلومات أكثر من جنرال ألماني خلال مباراة للشطرنج او كرة المنضدة اكثر مما يفعلونه اليوم، عن طريق التعذيب» وكان يتولى التحقيق مع رودولف هيس نائب هتلر خلال مباريات شطرنج.

وقال جورج فرانكل البالغ من العمر 87 سنة إنه «لم يُمس احد» في كل التحقيقات، وأضاف «أنا فخور بالقول إنني لم اصل إلى حد الوحشية».

* خدمة «نيويورك تايمز»