الغرب يلعب بورقة الأقليات

TT

لماذا يلعب الغرب ـ وخاصة امريكا ـ بورقة الاقليات الدينية والقومية والثقافية؟ وهل وراء هذا اللعب حب من الغرب للحرية وتقديس لحقوق الانسان؟! ان الغرب الذي حارب من اجل تقرير المصير لنصف مليون كاثوليكي في تيمور الشرقية، هو الذي يحارب ضد حق المسلمين في تقرير المصير بكشمير وفلسطين والبوسنة وكوسوفو! والغرب الذي يضغط على بلادنا، ويفرض عليها العقوبات والمحاصرات بحجة الانتصار للاقليات النصرانية، هو الذي يحول بين الاغلبيات وبين حقها في ان تحكم بالقانون الذي تريد ـ الشريعة الاسلامية ـ وان تتميز ثقافتها بمنظومة القيم التي تؤمن بها وتريدها! بل ان الغرب الذي يلعب بورقة الاقليات النصرانية في الشرق الاسلامي، لا يؤمن بنصرانية تلك الاقليات وانما يعتبرها «كفرا» بالنصرانية، ويسعى لنشر نصرانيته هو بين ابناء هذه الاقليات.. ويسعى كذلك الى تنصير ابناء المسلمين! وهو يلعب ايضا بأوراق الاقليات القومية والثقافية، في وطن العروبة وعالم الاسلام، من مثل الاكراد والامازيغ.. ومع الغرب، في رسم وتنفيذ هذا المخطط المعلن، الحركة الصهيونية واليهودية العالمية واسرائيل.

ولأن الهدف من وراء هذه «الحرب» هو منع بلادنا وامتنا من التقدم والتحرر والنهوض، فلقد اراد الغرب ويريد تحويل الاقليات في بلادنا من «لبنات» في جدار الامن القومي والمشروع الحضاري، الى «ثغرات» اختراق لأمننا القومي ومشروعنا الحضاري.. ولما كانت المرجعية لمشروعنا النهضوي هي الاسلام، فإن المقصد الاول والاساسي من وراء اللعب بأوراق كل الاقليات انما هو افتعال المشكلات وتضخيم العقبات امام المشروع الإسلامي لنهضة العرب والمسلمين.

ولذلك، فإن الوحدة الوطنية لا يمكن ان يكون لها معنى الا اذا كانت حول المشروع الحضاري الاسلامي الذي هو مشروع الشرق بكل ابنائه ودياناته كبديل للمشروع التغريبي الذي يسعى الغرب الى فرضه على امتنا منذ قرنين من الزمان.. ان تغريب الشرق العربي والاسلامي هو عدوان حضاري على كل شعوبه، المسلمين منهم وغير المسلمين، وان اسلامية المشروع الحضاري الشرقي هي بعث للصبغة الحضارية التي حفظت لكل ديانات الشرق تعدديتها وتعايشها طوال تاريخ الاسلام.

ومن هنا كان وعي المفكرين النصارى بهذا المعنى الحضاري وهذه المرجعية الحضارية لشعار الوحدة الوطنية، فقال مكرم عبيد باشا (1307 ـ 1380هـ 1889 ـ 1961م): «نحن مسلمون وطناً ونصارى ديناً، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن انصارا.. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين». وافصح الدكتور انور عبد الملك عن هذا المعنى عندما قال: «لقد دخلنا منذ الفتح العربي الاسلامي في دائرة الحضارة الاسلامية، التي تتمركز حول مبدأ التوحيد. الذي يتفق بشكل مطلق مع خصوصيتنا وسليقتنا.. فالاطار الحضاري للاسلام يشمل المرحلة القبطية ـ اي المسيحية المصرية ـ كما ان لغتنا هي العربية، لغة القرآن». فالوحدة الوطنية هي في حقيقتها وحدة مرجعية المشروع الحضاري النهضوي.. وهذا المشروع هو الاسلام الحضاري، اي بعث الحضارة الاسلامية بديلا عن التغريب الغربي والاستعماري.. وهذا الاسلام الحضاري، اي الحضارة الاسلامية هي الميراث الحلال لكل ابناء الشرق، كما قال ـ بحق ـ الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا.