ترأفوا

TT

لا تزال بعض التعابير في بعض البلدان العربية، ومن بينها مصر ولبنان والمغرب، تستخدم نقلاً عن القانون الفرنسي. وهو نقل ترجم خطأ في الاساس فشاع الخطأ وساد وهو مستمر. ويعيد لبنان حالياً النظر في بعض التوظيفات والاعباء. وهو امر حق وضروري بلا جدال. لكن التعابير المهنية التي تستخدم في حق الناس ليست ضرورية على الاطلاق. فقد سمعت وزير الاعلام السيد غازي العريضي يكرر امام الصحافيين ان مطالب بعض الموظفين المصروفين احيلت الى «لجنة الاسترحام». والمراجعة، في القانون اللبناني، اما خاضعة «للتسلسل»، وله احكامه، او «للاسترحام» المترجمة حرفياً عن اللغة الفرنسية بكل خطأ خطيء وبكل اصرار ضعيف. فالمقصود بالكلمة الاصل، اعادة النظر في الخطأ المرتكب لا في تمنين الموظف المظلوم.

ولذلك سميت مثل هذه الهيئة في السعودية، حيث لم تترجم عن الفرنسية، «ديوان المظالم». اي اللجنة المحلفة التي ترفع شكواك اليها لأنك على حق وليس لأن تستعطف صاحب السعادة وتستمطر رحمته. فالرحمة للرحمن الرحيم وأولى صفاته، وليس لمخلوق خاضع لكافة انواع المشاعر والضعف وانواع الخطأ والصواب. وليست للجنة او هيئة تعيد النظر في خطأ ارتكبه مسؤول في حق مواطن، سواء فردياً او جماعياً. خصوصاً، خصوصاً، عندما يكون الخلاف بين الدولة والرعية، وبسبب ظلم ارتكبته تحت شعار الحق الذي تمارسه لا بسبب خطأ ارتكبه هو. اذن، بكل بساطة، مثل هذه اللجنة الكريمة هي «لجنة احتكام» لا استرحام، لجنة مراجعة، لجنة تصحيح، لجنة رد الاعتبار، لجنة اعادة النظر، لجنة الشكاوى، اما ان تعطى صفة الرحمة لمجموعة من البشر تخضع في الغالب للتوصيات والبطاقات الشخصية والتراتبيات والاغراءات والتلميحات وسواها من العوامل والعناصر السائدة في لبنان، فهذا كثير على اللبنانيين الذين لم يبق لهم سوى رحمة أرحم الراحمين.

هل يستحق تعبير صغير قضية او حتى مقالاً؟ انها ليست مسألة تعبير. انها مسألة سلوك موروث وعقلية استعلائية. فأدب الكلام هو ادب الحياة. ولا يستطيع احد ان يكون مؤدباً في داخله وغير مؤدب في خطابه. وفي الدول والامم والمنظمات والهيئات الدولية، لجان مختصة تسمى لجان الصياغة، مهمتها الاولى والاخيرة الدقة في التعبير، حرصاً على مشاعر الناس والدول والامم. والناس رعية لهم ظلامتهم ولهم حقوقهم ومواطنون اعزاء يطالبون بالعدل والحق وليس بالاسترحام.

هناك فارق هائل بين ان يتقدم مواطن بطلب من اجل خدمة ما، مكرمة ما، وبين ان يتقدم بشكوى من ظلم اوقعه به المسؤولون، جماعة او فردا. وهناك فارق هائل بين ان تكون اللجنة موزعة هبات وهدايا وانعامات وبين ان تصحح خطأ ارتكبه مسؤول آخر. فإذا كانت تهب الناس والرعايا فلا خلاف على الاسم، أما اذا كانت تنظر في ظلم المسؤولين، فكثير عليها اسم الاحتكام لا فقط الاسترحام.