مقاربة بين نسختي صدام حسين وأحمدي نجاد

TT

ما إن تتكلم مع أي من الإصلاحيين الخمينيين حتى يفاجئوك بردود فعلهم تجاه الرئيس محمد أحمدي نجاد.

قال حسن روحاني الملا الذي أقيل على يد أحمدي نجاد كرئيس المفاوضين للملف النووي: «نقمة الناس تتنامى». أما مرشح الرئاسة لعام، 2005 هاشمي رفسنجاني فقال: «الحكومة الحالية تتبع مسارا خطرا».

وخلال الشهرين الأخيرين كان هناك عدد من «المبعوثين» من طهران يرددون فكرة خيالية مفادها أن «الإصلاحيين» يزمعون العودة في انتخابات الربيع المقبل. وانتشرت رسالة بهذا الخصوص بين مجاميع الضغط المؤيدة لإيران في أوروبا وأميركا. وأولئك الذين يزعمون أن أحمدي نجاد يخسر مواقعه يقدمون أربعة مطالب:

* يجب ألا يكون هناك أي إجراء عسكري ضد إيران.

* يجب ألا تفرض الأمم المتحدة أية عقوبات دولية جديدة.

* يجب ألا تدعم الدول الديمقراطية الأساسية أي شكل من أشكال المعارضة المعادية للخمينية، على سبيل المثال من خلال إدانة تعذيب النقابيين، أو قمع الأقليات الاثنية والدينية في إيران أو قمع النساء.

* على الامم المتحدة أن تقبل باستراتيجية إيران النووية كما هي، ودعوة المفاوضين إلى إيران من دون شروط مسبقة.

ويزعم «الإصلاحيون» إن أي إجراء قاس ضد إيران سيقوي من موقع أحمدي نجاد، أي إذا كنتم تريدون التخلص من أحمدي نجاد فإن أفضل شيء تفعلونه هو الاستسلام له.

هذه هي الحجة التي استخدمها الكثير من الأشخاص بمن فيهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة في إرضاء صدام حسين. وقبل سفره إلى بغداد لاتفاقه سيئ الصيت مع صدام حسين عام 1998 طلب عنان من كاتب هذه المقالة في لقاء خاص على هامش الندوة الدولية الاقتصادية في دافوس، ما إذا كان ممكنا جعل «الديكتاتور العراقي متعاونا عن طريق عدم دفع ظهره إلى الحائط؟» وحينما أشرت إلى أن صدام هو من نوع الذين لا يتوقفون عند نقطة ما إلا إذا أوقف، كان رد فعل عنان ردا دبلوماسيا رافضا، لأنه لم يدرك أن صدام كان يتصرف بذلك الشكل لأنه أقنع نفسه بعدم وجود نتائج جادة لسلوكه.

والآن دعونا ننظر إلى ما سيحدث إذا اتبعت السياسة نفسها التي اتبعت مع صدام حسين بما يخص أحمدي نجاد. ما من شك أن أحمدي نجاد دفع النظام الخميني نحو تطرف أكثر في مجال القضايا الداخلية والخارجية إلى درجة لم يعرفها النظام منذ الأيام الأولى لإيران خلال فترة 1981-83.

فداخليا، قام بإجراءات صارمة على مدى واسع وهذه تشمل:

* اعتقال ما يقرب من مليون شخص خلال الأشهر الستة الأخيرة (وهذا يشمل أفرادا اعتقلوا لساعات كي يتسلموا تحذيرا بما يخص مظهرهم الخارجي غير الإسلامي).

* أعلى عدد في مجال الإعدامات منذ عام 1988.

* حل النقابات المهنية المستقلة ووضع مئات من قادتها وناشطيها في السجن.

* فرض قواعد للرداء «الإسلامي» وإعادة إحياء منع الحفلات الموسيقية والاحتفالات الثقافية الأخرى.

* إلغاء دعم الدولة لأسعار الغازولين في وقت كان الرؤساء السابقون خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة لا يمتلكون الشجاعة لتنفيذه.

* بيع واسع لمشاريع القطاع العام حيث تم شراؤها من قبل أشخاص ينتمون إلى فيلق الحرس الثوري الإسلامي(وهذا شيء آخر وعد به الرؤساء السابقون ولكنهم لم يتمكنوا من تنفيذه).

* إغلاق عدد من الصحف والمجلات وحل وكالتي أنباء مستقلتين (فرض الإجراء الصارمة ضد الإعلام هو الأكبر منذ عام 2001 حينما أقام الرئيس السابق محمد خاتمي تطهيرا واسعا).

* استخدام القوة ضد المنشقين من الأقليات الاثنية الكردية والبلوشية والعربية بما فيها التدخل العسكري ضد مواقع المتمردين الأكراد الحصينة في كردستان العراق.

* تطهير واسع في القيادة يهدف إلى تعزيز موقع فيلق الحرس الثوري الإسلامي باعتباره النخبة الحاكمة ( يقدر البعض أن أكثر من 500 مسؤول كبير تم تبديلهم منذ عام 2005).

كل هذه لا تبدو كأنها سجل لزعيم خائف من فرض أجندته الخاصة. فأداء احمدي نجاد في مجال السياسة الخارجية أكثر إثارة للاهتمام، ويتضمن ما يلي:

* وجهت الدعوة إلى إيران للمشاركة في قمة «مجموعة شنغهاي»، وهو أمر كان يتطلع إليه من سبقوا احمدي نجاد لكنهم فشلوا في تحقيقه. تتألف المجموعة من روسيا والصين وأوزبكستان وجمهوريات آسيا الوسطى الأربع.

* استضاف احمدي نجاد قمة دول بحر قزوين في طهران، وحقق مرة أخرى أمرا فشل من سبقوه في تحقيقه، مثلما استضاف فلاديمير بوتين، أول رئيس روسي يزور إيران منذ نيكولاي بودغورني عام 1971. كما ظهور المحور الموالي لإيران في أميركا الجنوبية يتألف من كوبا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا يعتبر نجاحا آخر لأحمدي نجاد، وهو أمر فشل فيه من سبقوه.

سيؤمن أحمدي نجاد في الغالب قيادة ما يسمى بـ«حركة عدم الانحياز» ويحول مقرها الرئيسي إلى طهران، ليعزز بذلك زعمه بأنه «زعيم جبهة عالمية ضد الإمبريالية الغربية».

برنامج التخصيب النووي الإيراني، الذي يوفر المادة الخام لصناعة قنابل نووية استؤنف بعد تعليقه لمدة عامين فشلت إدارة خاتمي خلالهما في التوصل إلى إطار لحل النزاع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

كثفت إيران خلال الأشهر الأخيرة وجودها بصورة مثيرة في كل من أفغانستان والعراق وسورية ولبنان وغزة، وظهرت كزعيمة لجبهة الرفض غير المعلنة. أضفى احمدي نجاد صبغة راديكالية على خطاب إيران الدبلوماسي وكسر بعض التابوهات في الحياة الدولية من دون أن تترتب على ذلك عواقب خطيرة. بل أن هذا الخطاب أكسبه تأييدا وسط الحركات الراديكالية خارج إيران، وهذا أمر لم يحققه أي ممن سبقوه في الرئاسة.

وجهت الدعوة إلى احمدي نجاد للحديث في جامعة كولمبيا، ليؤكد حقيقة أن المواقف التي يعتبرها كثيرون غريبة، إن لم تكن إجرامية، مكن بثها والتعبير عنها كأنها آراء مشروعة تستحق النقاش في منابر الديمقراطية الغربية. منتقدو احمدي نجاد الاصلاحيون، الذين لم يستطيعوا بعد تحديد أية إصلاحات، أشاروا إلى حقيقة أن بعض العقوبات التي فرضت بواسطة وزارة الخزانة الاميركية بدأت تؤثر بالفعل، وقالوا أيضا إن هذه العقوبات عبارة عن الثمن الذي تدفعه إيران مقابل «تجاوزات» احمدي نجاد، وقالوا أيضا إن هذا على وجه التحديد ما يريدون القضاء عليه حتى يستطيع احمدي نجاد أن يفعل ما يريد من دون التعرض حتى لعقوبات اقل حدة.

على أية حال، أقنعت عقوبات وزارة الخزانة الاميركية بعض المصارف الغربية بقطع علاقاتها مع إيران من دون أن يؤثر ذلك على حجم التبادل التجاري (38 مليار دولار) مع الاتحاد الأوروبي. ونجحت المصارف الإيرانية في إفشال أهداف العقوبات من خلال العمل عبر مصارف ماليزية وتركية، تعمل بدورها عبر مصارف غربية كانت قد قطعت علاقاتها مع طهران، يعني ذلك أن التعاملات المصرفية الدولية لإيران تكلف أكثر بقليل، ولكن في ظل اتجاه سعر برميل النفط للوصول إلى 80 دولارا فإن ذلك أمر تستطيع إيران تحمله. لا يفهم «الاصلاحيون» أن نجاد لن يتوقف إلا إذا اجبر على التوقف، فقد ظل يستكشف هذا المجال جيدا، إذ انه في كل مرة يدرك أن بوسعه أن يقول أو يفعل شيئا أكثر تطرفا من دون أن يواجه عقوبة لا يتردد في فعله.

رضي البعض أم أبى، ظهر نجاد بمظهر الكاسب، فقد فعل على وجه التحديد كل ما قال انه سيفعله ولم يدفع ثمنا لا على صعيد إيران ولا خارجها..ترى لماذا يجب أن يتوقف احمدي نجاد؟

هذا ما لم يفهمه أنان قبل حوالي 10 سنوات، وما لا يفهمه كثيرون حتى الآن.