وجهة النظر الأخرى ضرورة!

TT

إنني أمقت هذه المناقشات التي بين الأدباء والفنانين والنقاد والتي تنتهي بأن يقول أديب هذه العبارة المغرورة السخيفة: مثل هذا الكاتب يجب أن تمنعوه من الكتابة؟!

فلمن يقولها؟

إنه يطلب ـ طبعاً ـ من الدولة أن تمنع أديباً من أن يقول رأياً.. وجهة نظر.. لماذا؟ لأن هذا الأديب يختلف معه في الرأي.. له وجهة نظر أخرى لا تعجبه! أليس من المفروض أن تكون هناك وجهة نظر أخرى؟ أليس من المفروض أن تكون هناك وجهات نظر؟ وما دامت هناك وجهات فلماذا لا تكون هناك نظرات ونظريات؟ وما دامت هناك نظرات فلماذا لا تكون هناك وجهات وجيهة؟ لماذا تكون هناك وجهة واحدة ونظرة واحدة هي التي يختارها هذا الأديب الذي يطالب بمنع من يخالفه في الرأي؟!

إنني أرى مثل هذا الأديب مغالطاً.. لأنه لا يرى إلا نفسه.. وإلا رأيه. وهو مغرور، لأنه يتصور أن نظرته نظرية.. ونظرية وحيدة..

وهذا الأديب مضلل لأنه عندما يرفع نبرته في النقاش يوهم القراء بأنه أديب وحيد وبأنه سلطة.. وهو بذلك يصبح أديباً إرهابياً يرفع صوته ليخيف، كأن التخويف يقضي على الفكر. وكأن ظهور رأي واحد صارخ معناه أنه لا توجد آراء أخرى.

إن مثل هذا الأسلوب هو الذي يجب أن يناقش، وأن يناقش كثيراً، لأنه ظاهرة خطرة، وظاهرة مريضة متوحشة وهمجية، فهو يدعو الى الإرهاب الفكري، أو الإرهاب الذي يقضي على الفكر، أو الإرهاب بلا فكر!

ومثل هذا النوع من الأدباء يحلم بأن يكون سلطة، فإذا كانت له سلطة قضى على كل من يخالفه في الوجهة والنظرة، مع أنه إذا كان يريد لنظرته أن تعيش وأن تنتشر، فالمناقشة تحييها، وإطلاق الأضواء الكثيرة عليها وحولها ينعشها.. ويضيء بها.. ويضيء لها.. وليس إلقاء الضوء كإلقاء النار، أو كإلقائها في النار.

فاختلاف الرأي لا يضر، وتعدد وجهات النظر شيء مفيد.. ولا يصبح الرأي قوياً إذا انعدمت الآراء الأخرى.. ولا تصبح وجهة النظر سليمة، إذا تلاشت كل الوجهات والعيون.. وإنما الرأي القوي هو الذي يكون قوياً رغم وجود آراء أخرى.. أو ربما بسبب وجود آراء أخرى!