متاهة العراق: هل اقتربت ساعة الصفر؟

TT

قررت بريطانيا أن تعلن الاستقرار في جنوب العراق بالانسحاب من صراع السلطة في البصرة، فيما، وفي أفغانستان، بدت الحاجة الطارئة لإحلال ضباط شرطة محليين يسند ولاؤهم للناتو حكومة كابل، طموحات غير مؤكدة لجهة قوة بوليس قومية.

والى ذلك فالبحث عن حلول محلية تعلو نبرته عبر الشرق الأوسط ووسط آسيا، فيما تقيم أميركا وحلفاؤها التكلفة العالية لحربين شنوها على المتطرفين الدينيين ومحاربين آخرين. ومن هنا تراجعت الأهداف العريضة لبناء الأمم وترقية الديمقراطية لصالح تحقيق الاستقرار متى ما وجد، على أمل توسيعه لاحقا.

ويقول المارشال جوك ستيراب قائد قوات الدفاع البريطانية، إن نمو الحلول المحلية مرتبط ببناء الأمم والدول، وذلك في معرض تفسيره لإعادة الانتشار البريطاني بالبصرة، ولكنه اعترف أيضا بأن نقلة في التركيز على الحلول المحلية في الطريق، والى ذلك أيضا توحي مواقف وأفعال القادة الأميركيين العسكريين.

في المقابل، فحملة أميركا على القاعدة في محافظة الأنبار بالعراق جاءت بمثال آخر صريح وواضح للترتيبات التي يقدم عليها القادة العسكريون الغربيون عبر المنطقة، وهم ينظرون إلى الأثمان الباهظة والدروس الصعبة لتجربتي أفغانستان والعراق، وهم يتفاعلون مع الفوضى والغضب السياسي اللذين احدثتهما الحربين على صعيد الجبهات الداخلية الغربية.

والى ذلك، وفي حقيقة الأمر، فقادة البنتاغون انتقلوا للحديث عن حقبة (صراع ثابت ومستمر) أكثر من حديثهم عن (حرب طويلة)، وهي العبارة التي جاءت بصراع تهيمن عليه العسكرية التي تحدد مكان المعارك وتحدد النهايات بوضوح. ولكن الجنرال جورج ماسي رئيس هيئة الأركان أحاط لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي في الشهر الماضي، أن (الصراعات الثابتة والمستمرة)، حيث المدنيون، وليس العسكريون، يصبحون أهدافا أساسية للعدو ولنمط الحماية التي تقوم بها القوات المتحالفة، يمكن اعتبارها (العادي الجديد)، ومن هنا لا بد للجيش أن يعيد ترتيب نفسه محتفظا بهذا (العادي الجديد) في ذاكرته.والآن، والنزاع في أفغانستان يدخل عامه السابع، بقيت أميركا في حالة حرب من غير ملجأ في التصور ولأطول فترة منذ الثورة الأميركية. ففي شهادة لكاسي وبيت غيرين أمام مجلس النواب، جاء اعترافهما بأن جدول انتشار القوات الحالي بالعراق فوق قدرة البنتاغون الإدارية، بل ولأسر الجنود أيضا. فالواضح إذن أن قدرة أميركا في الإبقاء على قوات في العراق وأفغانستان، تعتمد الآن، وبقدر كبير، على جهود التخطيط العسكري، والمهارات الإدارية لوزير الدفاع روبرت غيتس، كما تجلى ذلك في حملات 2008 الرئاسية. وبهذا المعنى، فالواضح أيضا أن هذا الخريف ربما يقدم نهاية البداية للجهود الأميركية والحلفاء لجهة استخدام القوة العسكرية لمنع ملاذات شبكات الإرهاب العالمية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

ونشير هنا إلى ان ونستون تشرشل قد استخدم مصطلح (نهاية البداية) عام 1942 لوصف هبوط جيوش الحلفاء في شمال أفريقيا، الذي نشأ عنه مد نجاح عسكري للنازية، فلم يكن يومها ثمة أمر مؤكد حول جدوى تلك الخطوة، وذلك يصدق اليوم أيضا على حالة الحلفاء في العراق وأفغانستان.

ولكن الوجود الأميركي هناك اليوم كان لشراء تجربة عسكرية صعبة في منطقة لم يتم التعود عليها، وحيث المصالح الأميركية الملحة هناك لجيل قادم أو أكثر، ومن هنا فهذه لحظة لتطبيق التجربة بنجاح، أو استدعاء عبارة السيناتور جورج إيكن عن فيتنام: أعلنوا الاستقرار ثم انسحبوا. ولكن الخلل القاتل في احتلال أميركا للعراق، يكمن في الإصرار ولزمن طويل على وحدة وطنية تفرضها وتطبقها بغداد، ورفض السماح للعراقيين بأن يتكيفوا أو يعالجوا فوضاهم.

وأخيرا فالشاهد، وكما أحاطني المارشال ستيراب وزملائي في الـ«واشنطن بوست»، أن تقليص بريطانيا لقواتها إلى 2500 عنصر بحلول الصيف القادم، والانسحاب من المدن، ربما يكون اختبارا معمليا مهما ربما يفتح أفقا لما يمكن أن يكون عليه الحال على نطاق أوسع في كل العراق.

* خدمة «واشنطن بوست»، خاص بـ«الشرق الأوسط».