بين قمتين: الذكاء الصناعي والمناخ.. يهددان مستقبل البشرية

TT

خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي عقدت قمتان علميتان عالميتان، على جانب كبير من الأهمية، احدهما لمعهد الفرادة للذكاء الصناعي في ولاية كاليفورنيا الأميركية بعنوان «الفرادة أو التفردية: الذكاء الصناعي ومستقبل البشرية»، والقمة الأخرى للأمم المتحدة في نيويورك حول «المناخ»، وقد حذرت القمتان من أن التطورات المتسارعة في أبحاث الذكاء الصناعي وبخاصة الهادفة لتطوير ذكاء صناعي شرير، والتغيرات المناخية غير المسبوقة يهددان البشرية، مالم تتخذ ضوابط أخلاقية واجراءات قيادية جريئة وفعالة.

وفي القمة الأولى التي عقدت يومي 8 و 9 سبتمبر (أيلول ) الماضي، توقع المئات من أشهر خبراء التكنولوجيا وعلماء الذكاء الصناعي أن تنجح الآلات في التفوق على ذكاء البشر خلال فترة زمنية قصيرة، قد يتبعها تطوير معالجات الكترونية فائقة السرعة قابلة للزرع داخل الدماغ البشري، لتحفيزه على معالجة المسائل والقضايا المطروحة بسرعة تعادل سرعة أجهزة الكومبيوتر الحديثة، وقال العلماء إن المستقبل القريب سوف يشهد أجهزة كومبيوتر قادرة على إجراء برمجة ذاتية، محذرين من أن ذلك قد ينذر بوصول البشرية لمنعطف جديد في تاريخها، وهو ما يطلق عليه «التفردية أو الفرادة» Singularity، وهذا المصطلح قد يكون غير مألوف للكثيرين في عالمنا العربي، فهو يشير لغوياً للشيء الغريب أو الشاذ وغير المألوف والى الاستثناء من القاعدة، ويرجع الفضل في وضع ونشر هذا المصطلح لعالم الرياضيات وكاتب الخيال العلمي الأميركي فيرنر فينج Vernor Vinge في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي.

يرى العالم والمفكر الأميركي الشهير راي كورزويل Ray Kurzweil مدير معهد الفرادة للذكاء الصناعي ومؤلف كتاب «اقتراب عهد الفرادة : حين يتجاوز البشر حدود البيولوجيا» The Singularity is Near: When human Transcend Biology، عام 2005، وأحد المشاركين في القمة، أن كلمة «الفرادة» تشير الى اقتراب حدوث انكسار تاريخي جذري بالغ العمق من شأنه تغيير كل ما يؤلف طبيعة الكائن البشري، ويتنبأ بأن التطورات المستمرة اللامتناهية في الذكاء الصناعي سوف تؤثر في مستقبل عملية التطور ذاتها، وهي نتيجة مفزعة ومخيفة بقدر ما هي مثيرة. وفي القمة قال العالم الأميركي اليزير يادوكوفسكي Eliezer Yudkowsky مؤسس معهد الفرادة للذكاء الصناعي، الذي يعتبر أن أبرز أهدافه التصدي للمخترعين الذين يرغبون في تطوير ذكاء صناعي شرير يهدد الجنس البشري، قال أن التكنولوجيا تتقدم بسرعة، ومن المتوقع أن تنجح في بلوغ نقطة تصبح معها قادرة على تكوين ذكاء صناعي، ولهذا ينبغي علينا ألا نغلق أعيننا ونرفض التفكير فيما سيحدث في هذه اللحظة لمجرد أننا لا نستطيع تحديد متى سيحدث هذا، وبخاصة أن الأبحاث الحديثة تتجه الآن لتعليم الكومبيوتر الأصوات البشرية وتطوير نظم تمكنها من التعرف على أنماط أصوات صادرة من الحنجرة، لمحاكاة حركة الحبال الصوتية، والتي ستمكن الكومبيوتر في المستقبل من الحديث بنفس صوت الإنسان، وهو ما قد يشكل خطورة مستقبلاً وظهور ما يسمى بالإرهاب الصوتي Vocal Terror، ففي دراسة علمية حديثة قدمت أخيراً الى المهرجان العلمي لرابطة تقدم العلوم البريطانية قال فيها العالم ديفيد هوارد David Howard من جامعة يورك البريطانية University of York، أن كومبيوترات المستقبل سيكون بامكانها خلال 10 – 15 عاماً محاكاة وتقليد الأصوات البشرية بعد استماعها لجملة صغيرة من بضع كلمات يتفوه بها الإنسان، فقد تتكلم بصوته، وعند ذلك يكون من الصعب تمييز كلامها عن كلام ارهابي مثلاً، ويورد هوارد بعض الأمثلة لخطر الإرهاب الصوتي، مثل استيلاء مجموعات ارهابية على شبكة الاتصالات ونقل خطاب مزيف من رئيس البلاد الى الجمهور أو وصول مكالمة هاتفية من مدير البنك تطلب من العميل تأكيد اسمه ورقم حسابه المصرفي، ولكن الحقيقة أن الكومبيوتر هو الذي كان يحاكي صوت المدير، حيث تقوم مجموعة اجرامية بإدارة الكومبيوتر للاستيلاء على المبالغ المالية في حساب العميل.

ولهذا فان التحذيرات من تطورات الذكاء الصناعي هي تحذيرات حقيقية، ففي قمة الذكاء الصناعي حذر عالم الروبوتات الأميركي رودني بروكس Rodney Brooks من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي الشهير MIT، ومؤلف كتاب «الجسد والآلات: كيف ستغير الروبوتات حياتنا» Flesh and Machines: How Robots Will Change Us عام 2002، بقوله، لقد تغيرنا وتغير عالمنا الى الأبد، فيما يتعلق بأجهزة الكومبيوتر فان سؤال الهوية نحن وهم، سيتغير الى الأبد.

أما القمة الأخرى، التي تشكل تحدياً عالمياً، هي قمة «المناخ» التي عقدت في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، وحملت اسم «المستقبل في أيدينا .. التصدي للتحدي الذي يشكله تغير المناخ بالنسبة للقيادة»، وحذر فيها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون Ban Ki-moon من الآثار المدمرة الناتجة عن الاحتباس الحراري والتغير المناخي، قائلاً بأن زمن التشكك قد انقضى، وأن تحدي التغير المناخي Climate Change غير المسبوق يتطلب عملاً غير مسبوق وقيادة غير مسبوقة، وحذر بأن عدم التحرك الآن سوف يثبت أنه أفدح الأفعال ثمناً على المدى البعيد، كما شدد الأمين العام على أهمية قيام الدول الصناعية بدور الريادة في خفض الانبعاثات المسؤولة عن التغير المناخي والمرتبطة برفع درجة حرارة الأرض. كما أن حصول كل من نائب الرئيس الأميركي السابق آل غورAl Gore وهيئة التغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة Intergovernmental Panel on Climate Change(IPCC)، على جائزة نوبل للسلام لهذا العام، سيؤدي لقدر أكبر من الإدراك والشعور بضرورة مواجهة مخاطر التغيرات المناخية.

وأخيراً.. لقد أصبحت المخاوف من كل من التطورات السريعة المذهلة في أبحاث الذكاء الصناعي وبخاصة في الشؤون العسكرية، وكذلك المخاوف من كارثة التغير المناخي، مخاوف حقيقية لا تدعو للتشكيك، وتتطلب من المجتمع الدولي التحرك سريعاً واتخاذ إجراءات فعلية عاجلة، تتمثل في وضع معايير وضوابط أخلاقية لأبحاث الذكاء الصناعي لتجنيب البشرية المخاطر والعواقب التي قد تنجم عنها، وأيضاً ضرورة اتخاذ الدول الصناعية خطوات قيادية جريئة تلزمها بخفض انبعاثاتها من الغازات المرتبطة برفع درجة حرارة الأرض وبمعدلات تسهم بالفعل في الحد من هذه المشكلة التي أصبحت تهدد الحياة كلها على كوكب الأرض.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية