«لا تحزن»

TT

الدكتور عايض القرني شيخ نابه ونشيط، له في المطبوعات والفضائيات والمحافل قول على قول، ورأي على رأي، وتجليات لها أول ولها آخر كذلك. له من المؤلفات تلو المؤلفات ما يعجز عن صياغتها عصبة من فتية أهل العلم، وما يعجز عن قراءتها فرد واحد من الناس، إلاّ من أوتي موهبة خارقة بالانكباب والصبر والانتصار أو التضحية بالوقت.. وعلى رأس تلك المؤلفات كتابه الجامع المانع الموسوم بعنوان: (لا تحزن)، الذي يقال والله أعلم إنه قد توزع منه مليون نسخة أو أكثر أو أقل، وهذا شيء طيب، لم يحصل نجيب محفوظ الحائز جائزة نوبل حتى ولا على ربعه في أي مؤلف من مؤلفاته.

ولكن وفوق ذلك من المؤكد أن صورة الدكتور الشيخ عائض تملأ الآن المكتبات وشاشات التلفزيونات والانترنت، ومن حسن الحظ أن النجومية في هذه الأيام لم تعد قاصرة على اللاعبين والمغنين والممثلين من المشاهير، بل إن مشايخنا وقدواتنا أصبحوا ولله الحمد ينافسونهم ويزاحمونهم إن لم يبزوهم سطوعاً وانتشاراً، وهذه لعمري ظاهرة حميدة، إذ أنها تفتح أعين الناشئة على أفكار حملة مكارم الأخلاق. غير أنني لاحظت ملاحظة على مقالة له، واعذروني إن كانت ملاحظتي تلك ساذجة ـ فهناك احتمال أن تكون كذلك ـ فقد أورد حفظه الله كلمة جميلة وشجاعة قالها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لصاحبه أبي بكر عندما كانا مختبئين من الكفار في الغار، وقال: (لا تحزن إن الله معنا).. والكل يعرف تلك الكلمة المسطورة بأحرف من نور، وقد استرسل أخي عائض يقول على لسان الرسول الكريم كلاماً أجزم أنه لم يقله، والدكتور عائض نفسه يعرف وهو على يقين أن الرسول لم يقله، وكان حريّاً به أن يوضح أن كلامه ذاك ما هو إلاّ تفسير لتلك الكلمة فقط.. لا أن يسترسل قائلاً على لسان الهادي الأمين: يا أبا بكر اهجر همّك، وأزل غمك، واطرد حزنك، وانس يأسك، لأن الله معنا / يا أبا بكر، ارفع رأسك، وهدّئ من روعك، وأرحْ قلبك لأن الله معنا / يا أبا بكر ابشر بالفوز، وانتظر النصر، وترقب الفتح، لأن الله معنا، غداً سوف تعلو رسالتنا، وتظهر دعوتنا، وتسمع كلمتنا، لأن الله معنا / غداً سوف نسمع أهل الأرض روعة الأذان، وكلام الرحمن، ونغمة القرآن، لأن الله معنا / غداً سوف نخرج الإنسانية، ونحرر البشرية من عبودية الوثنية، لأن الله معنا... ويستطرد الدكتور عائض (وكأنه يؤكد) ـ وهنا مكمن (الخطأ)، وذلك عندما يقول بالحرف الواحد: هذه الكلمات قالها الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق وهما في الغار وقد أحاط بهما الكفار من كل جهة. وهنا لا بد أن استدرك وأقول إن الشيخ أكثر تفقها مني في الدين بعدة مراحل، ولست نداً له في ميدانه، وهو سيد العارفين أن الرسول الكريم نهى أن ينسب أحد على لسانه كلاماً لم يتفوه به مهما كان ذلك الإنسان، هذه واحدة، والثانية يعرفها الداني ولا أدري إن كان القاصي يعرفها أم لا، وهي أن (البخاري) جمع مئات الآلاف من الأحاديث منسوبة إلى المصطفى، وبعد أن نخلها ومحّصها وجد أن كثيرا منها كانت مكذوبة وملفقة .

وإذا قدر لي أن أكبو في هذا المقال، فكبوتي ما هي إلاً كبوة مجتهد غير محترف، ولم يؤت من العلم إلاّ النزر اليسير.. إنني لا أركب حصاناً، وإنما أسعى على قدمي واتعثر، فغض الطرف أخي عائض، فلست أنا بخصم، أنا محب «وغلبان».

[email protected]