ألغام وصحون حساء

TT

قبيل الحرب الجوية الاميركية على بغداد العام 1991 نشر العراق دبابات مصنوعة من الخشب لخداع المهاجمين. وكانت الخطة بارعة حقا: تقصف القاذفات اخشابا لا معنى لها، فتفرغ من ذخيرتها، وعندما تتمون وتعود للقصف من جديد، يتصدى لها السلاح الحقيقي. لكن هذه البراعة الخلاقة كانت تشكو من بضع هفوات. أولاها، ان الحيلة مستخدمة من ايام الرومان (افيال خشبية)، وثانيتها ان الاقمار الصناعية قادرة على تمييز الحديد من خشب السنديان، وثالثتها ان القاذفات الحديثة تحمل من الذخيرة ما يكفي!

في أي حال كانت دبابات الخشب مهمة لمعنويات الشعب العراقي. فهي تدل على ان الدولة كانت مستعدة (ولو غير مؤهلة او مجهزة) لمواجهة 33 دولة. وتاريخ العرب مليء بمحاولات التمويه، خصوصاً في وجه عدو متفوق وطاغي القوة. وفي العام 1940 راحت بريطانيا تفكر مرتعدة في كيفية مواجهة السلاح الجوي الالماني، فكان ان ازيلت جميع الارشادات واسماء الشوارع في المدن حتى اذا هبط المظليون اضاعوا طريقهم. ولمنع الطائرات الصغيرة من الهبوط ملئت ملاعب الغولف والحدائق العامة بالعربات والسيارات والأسرّة وجذوع الشجر. واعطيت الى السكان تعليمات بنشر صحون الشورباء مقلوبة في الشوارع على غطائها، بحيث اذا حدث نزول ظن الالمان انها الغام مضادة للدبابات.

وطُلِب الى المدنيين الحذر من اي شيء يتحرك. وعندما هبط طيار بريطاني اضطراريا في احدى حدائق «كنت» تقدمت نحوه ممرضة من الخلف ووضعت مسدسها في ظهره. وعندما عرفت هويته سلمته المسدس. وكان مسدس مياه! لم تكن الاقمار الصناعية قد ظهرت بعد. ولم تكن بريطانيا تعرف قوة هتلر الحقيقية لكنها كانت تعرف انه اقوى منها بكثير. كما كانت تعرف انه سوف يحاول، قبل اي شيء، تدمير سلاحها الجوي. وعندما ينتهي من ذلك يتحول الى سلاحها البحري الذي يصبح دون مظلة، وبعدها يقوم بالغزو عبر القنال.

لم يكن القمر الصناعي قد ظهر، لكن اختراعاً آخر قلب مجرى التاريخ بالنسبة الى بريطانيا ـ وربما بالنسبة الى اوروبا ـ لقد كان الرادار. وكانت الطائرات البريطانية تستعد لمقاتلة الطائرات الالمانية سربا بعد سرب. ولم يكن في استطاعة الطائرة الالمانية البقاء طويلا في اجواء بريطانيا بسبب الوقود، فكانت تعود بعد نصف ساعة من القتال. اما الطيارون البريطانيون فكانوا مرهقين ويرغمون على اجراء ثماني الى تسع طلعات في اليوم، يعودون بعدها الى النوم متعبين؟

يقول المؤرخ الهولندي «غيرت ماك» انه في صيف 1940 كان معدل العمر بالنسبة الى الطيار البريطاني ثلاثة الى اربعة... اسابيع! تلك هي الحرب.