جريمة المتاعب العائلية!

TT

ربما كانت كوارث الحروب والأوبئة هي التي جعلتنا نستهين بكوارث السيارات.. فنحن الآن نرى أن الحروب شر يهون إلى جواره أي شر آخر.. ولو كان هذا الشر الآخر هو حوادث السيارات، مع أن الذين يموتون تحت عجلات السيارات أكثر من ضحايا الحروب!

وأول حادث قطار في العالم كله كان سنة 1830 عندما داس القطار رجلا كان يعمل نقيبا لعمال الشحن.. وعلى أثر حادث القطار هذا أقيمت أرصفة للمحطات.. ولكن حوادث السيارات لم تؤد الى مثل هذا الإصلاح السريع، فما تزال الشوارع التي تنطلق فيها السيارات ضيقة مخنوقة لأنها كانت خاصة بعربات الكارو والخيول!

وبما أن الإنسان حيوان اجتماعي، فالسائق أيضا حيوان اجتماعي، والمشاة حيوانات اجتماعية.. وإصراري على استخدام كلمة «الحيوان» هنا: أنها صفة يطلقها السائقون على المشاة، ويرد بها المشاة على السائقين! ولا شك أن المتاعب في البيت أو العمل لها أثرها على السائق وعلى المشاة أيضا.. فالمتزوجون أقل حوادث من العزاب.. والمطلقون أكثر حوادث من الجميع.. والمرأة أقل حوادث من الرجل، وأكثر السائقين تعبا هم سائقو التاكسيات واللوريات.. فالسيارة بالنسبة لهم ليست مكانا للنزهة.. وإنما هي دكان متحرك.. ورشة.. هي «الشغل» الذي يقصده عندما يجيب عن سؤال: إلى أين؟ فيقول إلى الشغل.. ولكن من المؤكد أن الحالة النفسية والاجتماعية والجسمية والصحية للسائق أو الماشي هي العامل الرئيسي في هذا الحادث الأليم.. ولا بد أن السائق الذي رفع رجله عن الفرامل بدلا من أن يضغط عليها.. قد تعب في البيت من ضغط أعصابه.. تعب من ضغطه على فرامل أعصابه.. وفجأة رفع رجله عن الفرامل في البيت وثار وشتم وطفش.. وعندما ركب السيارة رفع ـ لا شعوريا ـ رجله عن الفرامل.. تماما كما فعل في البيت.. وكل الناس الذين في الشارع قد جاءوا من من بيت أو بيوت!

من المؤكد أن المتاعب العائلية تنعكس في «الشغل» فيموت بسببها أناس في الطريق.. فالسيارة مسدس في يد السائق، ولكن الرصاص قد تمت تعبئته في مكان آخر!