العراق بين إستراتيجيتي التهدئة والخروج

TT

يا صديقي، أنا مسرور جدا بالخروج أخيرا من العراق، كان مؤلما الاستيقاظ كل صباح وقراءة الأخبار القادمة من هناك. إنه لشعور بالانفراج أن يتمكن المرء من إزالته من تفكيره. ماذا تقول؟ نحن ما زلنا هناك. لكن كيف لا يتكلم أحد في واشنطن حوله؟

أنا لا أعرف إذا كان ذلك مجرد شعور بالجزع المحض من النقاش حول شهادة الجنرال ديفيد بترايوس أو حقيقة أن الزيادة في عدد القوات قد قلصت الخسائر، أو فشل الديمقراطيين في فرض الانسحاب من العراق من خلال الكونغرس، أو حقيقة أن المتنافسين الديمقراطيين على الرئاسة نوهوا أنهم لن يقوموا بانسحاب شامل وهذا ما جعل النقاش حول العراق باهتا.

هذا أمر سيئ. الإهمال ليس حميدا حينما يتعلق بالعراق الذي يشبه مصابا بالسرطان يعاني من الحمى العالية بسبب الالتهاب (قاعدة وادي الرافدين). تمكنت الزيادة في عدد القوات من تخفيض الحمى لكن المريض ما زال يعاني من السرطان (الحرب الأهلية). ونحن ما زلنا لا نعرف كيفية معالجته، هل بإجراء عملية جراحية أم بالعلاج الكيماوي أم العلاج الطبيعي أم بالقتل الرحيم؟

الزيادة في القوات أصبحت تعطي نتائج إيجابية، لأن العراقيين قاموا بما يجب لخدمة أنفسهم. فوقوف زعماء العشائر السنية ضد العناصر السنية المرتبطة بالقاعدة ساعدهم على إعادة السيطرة على قراهم ومدنهم، وجعلهم يصطفون إلى جانب القوات الأميركية. والآن الشيعة يقومون بالشيء نفسه.

مع ذلك، ليس هناك أي مفاجأة في الوضع السياسي، ولعل القادة السياسيين هناك سيفاجئونك كثيرا إن هم بادروا بتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة توحيد النسيج الممزق للبلد، عند ذلك يحق لك أن تتفاءل.

ولكن، وحتى الآن، يستمر الكثير من القادة العراقيين في العمل من أجل مصالحهم الخاصة ومصالح عوائلهم والبلدان التي ينتمون إليها، ولميليشياتهم وطوائفهم، ويستخدمون خزينة العراق كقاعدة للنهب من أجل مكاسب شخصية وطائفية. ونتيجة لذلك تشاهد أمامك هدنة وفي الوسط يوجد الجنود الأميركيون. هذه استراتيجية تهدئة لا استراتيجية خروج.

بمراقبة جداول الرحلات الخاصة بقادة الفئات المتصارعة بعد جلسة الاستماع مع بترايوس نكتشف أن الكثير منهم راحوا يسافرون إلى الخارج بدلا من البقاء في بغداد لحل خلافاتهم.

ومثلما قال مسؤول أميركي في بغداد الأسبوع الماضي: «هل شاهدت القادة الأربعة الرئيسيين موجودين في وقت واحد هناك». فهم يرون جلسات الاستماع مجرد وسيلة لكسب وقت إضافي فقط.

وقال مارك لينتش، الخبير في شؤون الشرق الأوسط: «لأن كل اللاعبين الأساسيين يظنون أن الأميركيين سيعطونهم وقتا إضافيا فإنهم لا يمتلكون أي حافز لتقديم تنازلات حقيقية واحدهم للآخر».

بل أستطيع القول إن كلا منهم تمكن من إبقائنا في المكان الذي يريدونه داخل العراق: نحن نحرس الأرضية للسياسيين العراقيين كي يتمكنوا من القيام برقصتهم العشائرية، نحن واقعون في محنة قريبا من صواريخ إيران، لذلك إن نحن حاولنا أن نعرقل طهران من تنفيذ برنامجها النووي فسندفع ثمنا عاليا وطالما نحن واقعون في الفخ العراقي، فإننا لن نتمكن أبدا أن نفكر بالترويج للإصلاح في أي مكان آخر داخل العالم العربي وهذا ما يفرح المستبدين العرب.

يبدو لي أننا جعلنا العراق آمنا إلى الحد الذي يسمح للسياسيين بالتغيب، بالفساد أو بالتهور على حسابنا. وحتى الأكراد المعتدلون بادروا إلى تطوير نوع من غريزة الرغبة بالموت بالسماح لمتطرفيهم كي يستفزوا تركيا وإيران ليجازفوا بتلك الجزيرة التي تحقق فوقها قدر حقيقي من الاحترام بفضل الأكراد في الشمال.

تستند استراتيجية بترايوس إلى مبدأ الاستمرار في المحاولة من أجل ربط الميليشيات والكتل العشائرية في العراق بجيش وحكومة وطنيتين. وأتمنى من أعماقي له بالنجاح. لكنني لا أرى تحقق ذلك من دون شيئين: بعض العلاج بالصدمات مثل إعطاء الإشارة بالانسحاب لحث القادة العراقيين على المصالحة الوطنية وحل مشاكل المنطقة. وأخيرا فليعرف الجميع أننا لن نبقى إلى الأبد، وأن أفضل طريقة هو التحفيز على المفاوضات بالنسبة للمنطقة كلها. ولذلك فإن دفع ملف العراق إلى الصفحات الخلفية لن يخدم مصالحنا. وإذا كنا نريد أن ننسى العراق فقط، فدعونا نقوم بذلك فقط حينما نكون قد غادرنا أراضيه لا عندما نكون موجودين فيه.

* خدمة «نيويورك تايمز»