بلفور «كردي»؟!

TT

الجغرافية الوطنية تبقى دائما هاجسا وتحديا للأمم ما بين القدرة على الانسجام والانصهار في كيان واحد، أو الانفصال وتكوين هوية مستقلة ومنفصلة. وهناك أمثلة حية ماثلة ما بين النماذج التي فشلت في الانسجام مع الجسد الوطني الأكبر، وآثرت الانفصال، وأخرى في طريقها لنفس المصير. ومع التهاب الوضع على الساحة الكردية، تبدو مسألة الإعلان عن الدولة الكردية مسألة وقت وتفاصيل وإن كان المارد التركي يقف حتى الآن موقفا شديد الصلابة تجاه ذلك الأمر الحرج والحساس، ولكن هناك علامات خطر تتزايد من الشهية الكردية لإعلان الدولة و«توسيع» رقعتها وتحديدا في تركيا وسورية، ويراهن الأكراد وبقوة على جاهزية الرأي العالمي اليوم لقبول الدول العرقية والاثنية والدينية، كما حدث في تيمور الشرقية وفي البوسنة والهرسك وصربيا وكرواتيا، فترسل بعض العناصر الكردية بفصائلها المختلفة بالونات اختبار عن طريق تصريحات أو إثارة مواقف احتجاجية، أو حتى تحرك عسكري لمعرفة مدى جاهزية المجتمع الدولي «للاستماع» لمطالبها والتكيف معها، وغير واضح حتى هذه اللحظة ما إذا كان الاكراد يقومون بمغامرة سياسية من الطراز غير المسبوق، ويحاولون أخذ كل ما يمكن أخذه وسط انشغال العالم بالمستنقع الكبير الموجود في العراق خارج إطار الاقليم الخاص بهم؛ لأن من الواضح أن نماذج اسكتلندا وويلز وكوبيك وهي جميعا مناطق ذات مزايا إدارية استثنائية، ولكنها من ضمن تركيبة وطنية قوية، لم تعد تروق الكردي، وإن الاستقلال و «الدولة الكردية» بات المطلب الوحيد المقبول، دون الإدراك أن هذا المطلب قد يكون نموذجا أسود للانتحار السياسي، لأن مقومات الدولة الحقيقية لن تكون متوفرة لهذا الكيان وسط منطقة شديدة التوتر، وعدم وجود غطاء دولي كاف لحمايتها.

دروس التاريخ كان من المفروض أن تكون كافية لأن يدرك الأكراد أن بقاءهم وسط نسيج وطني هو ضمانة حقيقية على المدى الطويل، لأن «التفتيت» المبني على المعايير الدينية والإثنية لا حد ولا مدى له، فكل قطاع قابل للتفتيت بشكل مصغر من جديد. الحل الفيدرالي كان فكرة مهمة للتعامل مع المعضلة الكردية، ولكن لا بد أن يكون الأساس هو الإبقاء على الكيان الوطني لأن الأكراد باستمرار طرحهم الانفصالي سيشعلون فتنة لن يتمكنوا من الوقوف أمامها لأنها ستحرقهم وتحرق غيرهم.

[email protected]