الزيارة وسط الاحتجاجات والأفكار الجديدة

TT

عودتنا لندن دائما على الاحتجاجات والمظاهرات تجاه معظم كبار زوارها لسببين رئيسيين، أولهما طبيعة المجتمع البريطاني الديناميكية، تتعاطى السياسة بشكل مباشر، وكل مجموعة لها رأي معارض تخرج إلى الشارع، وهي دائما تخرج إليه. والسبب الثاني وجود جاليات أجنبية كبيرة مسيسة وتجد في كل زيارة فرصة لإظهار رأيها، بعد ذلك كل يعود إلى بيته سعيدا. والعاهل السعودي سيرى الشيء نفسه، كبقية زوار العاصمة الذين سبقوه، كما سيرى الجانب الرسمي الذي لن يخفي حماسه لاستقباله. وكما قال احد معلقي احدى المحطات التلفزيونية انه «زعيم بلد ليس مسقط رأس بن لادن، كما نحب أن نردد في بريطانيا، بل الأرض التي بعث فيها محمد».

أما سياسيا فقد لاحظ الجميع أن الملك عبد الله اظهر صلابة حيث لم تثنه عن زيارة بريطانيا الاتهامات والعناوين الصاخبة ضد السعودية، قرر ألا يترك الصحافة تدير مصالح بلاده.

والمفارقة في العلاقة بين البلدين أن كل وفد يجلس في المقعد المعاكس لما هو معتاد. فالسعودية ترى اليوم أن بريطانيا تتساهل مع المتطرفين الإسلاميين، والبريطانيون يريدون من السعودية أن تحجم النشاطات الأصولية المحلية. في السابق كانت الأولى تريد توسيع الدائرة الإسلامية في المجتمعات الغربية، وكانت الثانية تريد منح المزيد من الحريات للأصوات المتطرفة في المنطقة. ومع أحداث الإرهاب المتكررة اختلفت الرؤى، فالسعودية صارت تميز بشكل صريح بين إسلام العبادة وإسلام السياسة، فتدعم الأولى وتعارض الثانية. وبريطانيا تميز بين الحريات، اختصرت مطلبها بمنح حرية التعبير فقط للمعتدلين ورفضها للمتطرفين. وبقيت مسافات بين الطرحين لم يتم تجسيرها. فالإنجليز يريدون من السعوديين ضبط مناهجهم ومؤسساتهم، والسعوديون يريدون من الإنجليز طرد المعارضة الأصولية المتطرفة التي تعتبرها وراء الإرهاب.

ومع أن هذه الطروحات تأخذ في النقاشات الإعلامية مساحة واسعة إلا أنها تعطى القليل من الوقت في نقاشات الوفود الرسمية، لأن كل طرف غير مستعد لتقديم تنازلات، وبالتالي لا فائدة من تبديد الوقت حول نقاش بيزنطي. الجديد في الزيارة أنها فتحت الباب للشباب ليشاركوا مع بعضهم بالنقاش. وقد سمعت بعض ما دار بين 14 من طلاب وطالبات الجامعات السعوديين والبريطانيين، الذين أظهروا حرارة وحماسا ولديهم أفكار جديدة لتطوير العلاقة بين البلدين.

وقد وقفت إحدى السعوديات ووجهت كلامها لأعضاء من مجلس الشورى السعودي المشاركين، سألتهم متى يأتي اليوم الذي يسمح لها أن تلقي كلمتها أمام مجلسهم في الرياض، لا فقط هنا في لندن؟ لم يعطها أحد وعدا! الحقيقة أن الملك عبد الله هو أكثر تقدمية من كبار موظفيه. فهو من بادر ومأسس الحوار الداخلي، وجمع كل الأطراف التي اعتادت ألا تجلس مع بعضها البعض في مكان واحد. وسبق للحوارات أن جمعت بين الشباب، وكما سبق لها أن جمعت بين الرجال والنساء، وغيرهم من الأضداد وتحاوروا بلا سقف سياسي.

أيضا وقف احدهم أمس وسأل لماذا عليّ أن آتي إلى لندن حتى أسمعكم صوتي. وهو محق، فان فتح المزيد من النقاشات والحوارات يهون الكثير من المصاعب فيدفع الفريق المتحفظ إلى أن يعتاد على سماع ما لا يعجبه. كما يدفع الفريق المتحمس إلى فهم العقبات ومبررات كلمة لا التي يسمعها دائما. وكان الحوار مشوقاً على هامش الزيارة المهمة.

[email protected]