طلال مداح ومحمد عبده

TT

في وقت انقسم فيه الجمهور الفني في السعودية ـ على مدى عقود ـ إلى فريقين، فريق طلال مداح، وفريق محمد عبده، كان حال طلال ومحمد كحال المتنبي، تركا الناس ينشغلان في أمورهما، واحتفظا ـ هما ـ بعلاقة محبة خاصة مع بعضهما البعض بعيدا عما يسود الوسط الفني من حكايات وشائعات وانقسامات.. وفي إحدى الجلسات المحدودة العدد في منزل الفنان محمد عبده سألت كلا من طلال ومحمد عن رأيهما في بعضهما البعض بعيدا عن النشر ولعبة التصريحات الصحافية، فكان محمد عبده السباق في الإجابة قائلا: «طلال مداح الصوت الأكثر نقاء في الخليج والعالم العربي، ولكن هذا لا يمنع أن في تاريخنا الكثير من المنافسة والقليل من المقالب الفنية، ومنها اختطافه ـ أي طلال ـ في اللحظات الأخيرة لأغنية مقبول منك كل شيء مقبول».. ضحك طلال كثيرا من ذاكرة محمد عبده التي لا تنسى مقالب المشوار، وهو يشير إلى أن الفنان يحتاج دائما إلى من يثير في دواخله رغبة المنافسة والتحدي وإلا ركن إلى الاسترخاء، وشرح يومها كيف غاب عن الساحة الفنية بضعة شهور قبل أن يعود ليجد الفنان أبو بكر بلفقيه قد اختطف الساحة الفنية بأغنيته «قلبي المتعوب ما حصل دواء»، ويقول طلال بخفة ظل: «لقد أتعب قلبي يومها بلفقيه»، ويعترف طلال أن الكثير من المطربين لم يشغلوه؛ فغالبيتهم لم يستطيعوا الخروج من عباءته الفنية، حتى جاء محمد عبده بشخصيته المستقلة ولونه الخاص ليشعل فتيل المنافسة الحقيقية التي استمرت عقودا، مؤكدا أن محمد عبده أحد أهرامات الفن العربي الشاهقة.. ويتفق الاثنان طلال ومحمد أن كلاهما شكل دافعا للآخر لكي يعمل بجدية أكبر، فكان طلال يحتاج إلى محمد عبده في ساحة المنافسة بالقدر الذي كان وجود طلال ضروريا لتألق محمد عبده.

ورحل طلال مداح رحمه الله، وسبب رحيله حزنا حقيقيا وعميقا في أعماق محمد عبده الفنان والإنسان، وظل طويلا يردد في كل مرة يقودنا الحديث إلى ذكراه بأن طلال بتاريخه وإبداعه وحضوره المميز سيظل مكانه شاغرا في الساحة الفنية، فمن الصعب أن يملأ فراغ رحيله أحد.

أسرد هذه الحكاية لأقذف بها في وجه الكثير مما نطالعه اليوم من أخبار الصراعات الفنية الرخيصة لبعض أهل الفن، وحفلات «السدح» و«الردح» التي تنشب بينهم، فلعلهم يتعلمون من حكايات الكبار كيف يصبحون ـ بالنقاء ـ كبارا.

[email protected]