الأخوان الشبيبيان

TT

الاخوان الشيخ محمد رضا الشبيبي والشيخ محمد باقر الشبيبي رحمهما الله، كانا من ابرز شخصيات العهد الملكي وثورة العشرين في العراق. يعود لهما الفضل في قيادة الحركة الوطنية والمبادرات الاصلاحية في العراق. فقد كانا عالمين من علماء الدين الذين تميزوا بتطلعهم الى الاصلاح والافكار التقدمية. هذا شيء كان يميز علماء الدين في العراق بصورة عامة في ايام الخير. كانوا ينظرون الى الأمام وليس الى الوراء. فعلى عكس الآخرين الذين اشتهروا بالتزمت والسلفية، كان علماء الدين في العراق يتطلعون الى التجديد والتحديث والتجاوب مع متطلبات المدنية المعاصرة. كان مثلا الشبيبي من اول من دعوا الى سفور المرأة وفتح مدارس للبنات. ولعل هذه النزعة الى العصرنة والتفاعل مع الحضارة الغربية قد انعكست على الشيخ محمد باقر حين ذهب للسينما يوما فشاهد فيلما اوروبيا عن مدينة باريس فوقع حبا واعجابا بها الى الحد الذي جعله ينظم قصيدة يتغنى فيها بالعاصمة الفرنسية رغم انه لم يشاهدها قط. استهلها بذلك المطلع الشهير ذي الدلالة الواضحة:

لئن قطنت اهلي العراق فإن لي

بباريس اصحابا اعز من الأهل

بالنسبة للشيخ باقر، فإن اهل باريس، ولعله يقصد بهم مفكريها وادبائها وفنانيها، اعز عليه من اهله في العراق.

بيد ان فرقا واضحا ظل بينهما، فالشيخ محمد رضا كان لا يبالي بمهادنة السلطة والتعاون معها، في حين كان محمد باقر يتميز بالروح الثورية والتحدي. اليس هو صاحب ذلك البيت المشهور بحق المستشارين البريطانيين:

المستشار هو الذي شرب الطلى

فعلام يا هذا الوزير تعربد؟

جره حبه لباريس وفرنسا والثقافة الفرنسية لكتابة عدة مقالات عن حضارتها وفكرها. ثم سعى في الأخير الى تعلم اللغة الفرنسية وهو في النجف. ومن الطريف انه كتب الى الأب انستاس الكرملي، يلتمس مساعدته في تعليمه هذه اللغة، وانتقل الى بغداد لمجرد ان يكون على مقربة من هذا الراهب المسيحي، وليتمكن من تلقي دروسه فيها. وقد اعرب في رسالة خاصة اليه بأنه وجد من غير اللائق له، وهو ذلك الشيخ الوقور ان يجلس في صحن المسجد ويقرأ مبادئ اللغة الفرنسية بدلا من مبادئ الفقه والشريعة وعلوم الدين. لكنه العراق. والعراق في ايام الخير. يروي الكرملي فيقول إنه اتقن اللغة الفرنسية فعلا وبدأ بقراءة ادبها. ولكنه رحمه الله قضى حياته دون ان يرى محبوبته باريس.

تجسم الفرق بين الأخوين بصورة خاصة عندما انتهى عبد الرزاق الهلالي من تأليف كتابه «الشاعر الثائر محمد باقر الشبيبي». قدم المسودة لأخيه محمد رضا لمراجعتها. فلاحظ أن العالم الفاضل قد شطب بعض قصائدها. وكانت القصائد الثورية السليطة اللسان في تحديها للسلطة. فسأله عن سر شطبه لهذه القصائد فأجابه «قد يقول الشاعر عند غليان عاطفته شيئا دون ان يلتفت الى ما يجره ذلك من آثار. ولكن يجدر به ان يشطب ذلك عندما تهدأ النفس».