بدون دسم

TT

على نار هادئة في مطبخ ساخن جداً، يبدو أن التفاصيل الأخيرة للمرشح الرئاسي في لبنان يجري حسمها في الساعات القادمة، ويبدو أن الخاسر الأكبر في ذلك سيكون العماد ميشال عون الذي راهن بكل ما يملك من وجود طائفي وتاريخ عسكري، ومواقف سياسية أنه سيكون «الاختيار الوطني الطبيعي»، ومن الواضح أن الرهان لن يؤتي ثماره بأن يصل العماد عون لكرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية ويحقق حلم عمره، إذ يبدو أن التحالف الاستراتيجي الذي أقامه مع حزب الله وأمل والبعث والقومي السوري سيخذله، ويتم اختيار «مرشح توافقي آخر» بحسب التصريحات الصادرة من أكثر من شخصية فاعلة ومؤثرة من هذا التكتل. ويبدو أن لبنان مرشح وبقوة أن يكون رئيسه قائد جيشه من جديد، فبعد تجربة فؤاد شهاب والرئيس الحالي إميل لحود تبدو المساحة الرئاسية لصالح قائد الجيش الحالي العماد ميشال سليمان، ويبقى التحدي تجاوز عقبات وإجراءات التعديل الدستوري المطلوب حتى تتم كافة الخطوات بدون مخالفات. وسترينا الأيام القليلة القادمة قدرة العماد ميشال عون على قبول الأمر الواقع، والتكيف معه والدخول في المرحلة السياسية التالية، والابتعاد عن الطابع الشخصي البحت للاستحقاق الرئاسي فيما يعنيه هو تحديدا، وسيكون من المثير جدا أيضا متابعة مصير «التحالف» الذي راهن عليه العماد عون، وكيف سيصبح حاله بعد انتهاء الاستحقاق الرئاسي، وهل سيكون له مستقبل في الاستحقاقات المستقبلية بلبنان أم لا.

الواقع السياسي في لبنان يتبدل مثل تبدل الريح والفصول والمواسم، والرهان دوما سيكون على المصالح لا على اللقطات التذكارية والصور التاريخية وهو ما تثبته لنا دوما الأيام. النداء المتواصل برفع الأيادي عن لبنان، ووقف التدخل لن يفيد إلا إذا اقتنع اللبنانيون أنفسهم بأنهم فعليا هم قادرون على الحل والحفاظ عليه وصونه.

ويبقى السؤال الذي ينتظر اللبنانيون معرفته: ما هو «ثمن» الاتفاق المنتظر، وما هو «حجم» فاتورته، والأهم كيف سيتم «السداد»؟ فكل موقف سياسي لبناني في السابق كان له ثمن، منه ما تم سداده بصورة فورية، ومنه ما يسدد على أقساط مؤلمة وبفائدة مركبة وشديدة التعقيد. يبدو أن مسألة اختيار الرئيس اللبناني القادم تتعدى تحديد شخصية بعينها، ولكنها في واقع الأمر اختيار مسار وتيار يرسم طريق المرحلة القادمة التي لا تزال مليئة بالغموض والقلق. مقادير الطبخة الرئاسية توصف بأنها كانت خلطة سرية، ممكن أن تكون «طيبة ولذيذة» ولو أسيء تقديمها وممكن أن تكون مسمومة. وكما هي عادة المطبخ اللبناني سواء أكان القابل للأكل أم السياسي, فهو مليء بالأطباق المختلفة.. وما على الجميع إلا أن يأكلوا ويدعوا ربهم أن تكون العواقب سليمة!

[email protected]