كيف يحقق عون «حلمه في خدمة لبنان»؟

TT

ما نفع التاريخ إذا لم نتعلم من أخطائنا ؟

هذا هو السؤال الذي سيفعل الجنرال السابق ميشيل عون خيرا إذا ما تأمل فيه وهو على رقعة الشطرنج اللبنانية كرهينة لصراع القوة الإقليمية للجمهورية الإسلامية ضد الولايات المتحدة.

وفي وقت مبكر من الأسبوع الحالي أرسل الرئيس محمود أحمدي نجاد وزير خارجيته منوشهر متقي إلى دمشق حاملا رسالة واحدة: طهران تريد عون لا غيره كرئيس مقبل للبنان. وإذ يعتقد احمدي نجاد انه يدفع الولايات المتحدة إلى تراجع عبر رقعة الشطرنج من أفغانستان الى العراق مرورا بحوض بحر الخزر وشرق المتوسط، فانه يأمل بأن نجاحا كبيرا في لبنان يمكن أن يعزز آفاق فوزه بأغلبية في الانتخابات العامة الإيرانية في الربيع المقبل.

ويعتقد أحمدي نجاد أن أسلافه في الرئاسة قد قللوا إلى حد كبير من شأن قوة الولايات المتحدة وأقاموا سياساتهم على جهود لكسب قبول واشنطن. أما هو فيهدف، من ناحية أخرى، إلى تحقيق نصر كامل، خصوصا في وقت تواجه فيه ما يعتبره إدارة بوش المحتضرة هجوما يوميا تقريبا داخل الولايات المتحدة نفسها.

وجاءت رسالة احمدي نجاد الصارمة في وقت يتوجه فيه الرئيس السوري بشار الأسد إلى مساومة يمكن أن يتخلى فيها حلفاؤه وزبائنه اللبنانيون عن عون لصالح «مرشح الإجماع» كما اقترح رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وحسب تحليل أحمدي نجاد فان سوريا، وهي الآن دولة زبونة فعليا للجمهورية الإسلامية، تحاول الإبقاء على خيار تغيير المواقف مفتوحا. وإحدى طرق إعاقة ذلك الخيار هو التزام سوريا بمجابهة مباشرة وواضحة مع الولايات المتحدة وحلفائها العرب حول من يتعين أن يكون رئيس لبنان المقبل. والرجل الذي يحتمل إلى حد كبير أن يثير مثل هذه المجابهة هو عون الذي يمكن أن يرقى انتخابه إلى هزيمة واضحة للأغلبية اللبنانية الحالية التي يتزعمها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وتدعمها الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة.

ونقلت تقارير عن متقي قوله للرئيس السوري بعد محادثات مع وزير الخارجية وليد المعلم ان «زعامتنا تريد عون».

والفكرة هي أن طهران لا تريد فقط تحقيق الفوز في لبنان وإنما تصر على إلحاق أقصى الإذلال بـ«الشيطان الأكبر» الأميركي.

ولكن ما الذي يتعين على عون فعله؟

أصبح الجنرال السابق في أواخر الثمانينات بيدقا في صراع قوة آخر في لبنان، وفي ذلك الوقت يحث العراق مدعوما من فرنسا ضد سوريا مدعومة من الجمهورية الإسلامية. وأتذكر فرانسوا ليوتار، وزير دفاع فرنسا، وهو يثني على عون كـ«عسكري يكرس حياته دفاعا عن الحضارة الغربية ضد علماء الدين البرابرة في طهران».

غير انه بحلول عام 1990 وبعد الغزو العراقي للكويت كان وصف «البربري» قد أطلق على صدام حسين، ممول عون لما يقرب من عقد. وتعين على عون أن يقلل من طموحه المعلن لا في تحرير دمشق فحسب وإنما طهران أيضا من «مضطهديهم» للتركيز على مسعاه لضمان منفى في فرنسا.

وإذ عانى لفترة زادت على العقد، وهي أسوأ عقوبة لأي شخص لديه أدنى المشاعر الوطنية، فان عون لم يخف ندمه على دفعه إلى صراع القوة الإقليمي بعيدا عن رؤيته.

إذن لماذا جعل الجنرال السابق نفسه يدفع إلى ما يبدو تكرارا دقيقا تقريبا لصراع السلطة ذاته الذي أدى إلى إذلاله ونفيه؟

واحد من الأسباب يكمن في أن عون يعتقد أن احمدي نجاد أقوى وأعقل من صدام حسين ولن يتورط في نزاع مفتوح مع الولايات المتحدة. تحقيق انتصار إيراني واضح في لبنان ربما يجبر الولايات المتحدة على تقليص طموحها الإقليمي وربما إحياء فكرة «المساومة الكبرى» مع الملالي التي ستمنح إيران بموجبها منطقة نفوذ خاصة بها في الشرق الأوسط. وفي هذه الحالة ستمكن عون من تعزيز وضعه كرئيس للبنان وحليف موثوق فيه لدى الأطراف اللبنانية المرتبطة بإيران.

ثمة إجابة أخرى تكمن في تقديرات عون المبالغ فيها لعبقريته في التعامل الاستراتيجي مع الصديق والعدو. ربما يعتقد انه بمجرد استقراره في قصر بعبدا، المقر الرسمي للرئاسة اللبنانية، سيتمكن من النأي بنفسه عن إيران ويصبح أكثر قربا من الاتحاد الأوروبي وربما الولايات المتحدة.

طبقا للطريقة التي تتشكل بها التطورات في لبنان، ستكون لانتخابات الرئاسة أهمية تتجاوز أبعادها الحقيقية ومن المحتمل أن تنتهي إلى أربعة احتمالات. أولا، انتصار احمدي نجاد من خلال فرض عون رئيسا للبنان. ثانيا، نجاح الولايات المتحدة وحلفائها العرب في فرض خيار الأغلبية الموالية للغرب. ثالثا، منع البرلمان الحالي من انتخاب أي شخص إلا بسبب فشله في الوصول إلى نصاب قانوني او بسبب اغتيال عدد كاف من نواب الأغلبية على نحو أصبح معه البرلمان عاجزا عن اتخاذ قرار. أخيرا، موافقة الأغلبية والمعارضة الموالية لإيران على مرشح بالإجماع والسماح باستمرار النظام المعمول به، على الرغم من الطريقة المتعسرة.

بوسع عون المساعدة في هذا الخيار، فبامكانه ان يبدأ باستبعاد ترشيحه لتصبح إيران بذلك دون جهة تنفذ أجندتها. وباستبعاد ترشيحه سيعزز عون من موقف سوريا في المفاوضات مع النظام الخميني في طهران. وسيصبح بوسع الرئيس بشار الأسد، المعروف بمعارضته لترشح عون، الإصرار على سياسته المفضلة القائمة على أساس البحث عن مرشح توافق عليه الأطراف بالإجماع.

ربما يثير عون غضب احمدي نجاد، لكنه من المحتمل أيضا ان يوحد الطائفة المسيحية ويكسب شهرة في دمشق، بل من المحتمل أيضا أن يحسّن صورته في الغرب ووسط الدول العربية المعتدلة. باستثناء احمدي نجاد، الذي يفكر بطريقة على نحو أوسع بكثير مما يتصور عون، ليس هناك من يريد اندلاع حرب أهلية في لبنان، حتى الرئيس بشار الأسد.

عندما تحدث قبل عشر سنوات في منفاه كان يحلم عون بـ«فرصة أخرى لخدمة لبنان». التاريخ منحه هذه الفرصة بالفعل، فبوسعه خدمة لبنان من خلال رفضه ان يصبح أداة انقسام وشقاق وحرب أهلية تستخدم بواسطة قوة خارجية لها طموحات لا علاقة لها بمصالح الشعب اللبناني.