هيلاري وأوباما.. أين دروس التاريخ؟

TT

إذن برز باراك أوباما الآن ليواجه هيلاري كلينتون بحدة بعد أشهر من ضبط النفس، وهو الآن يتهمها بمراعاة استطلاعات الرأي في طروحاتها. صحيح أن كلينتون تجنبت الإجابة عن أسئلة تتعلق بإصلاح نظام الضمان الاجتماعي وتخلت عن التزام زوجها المبدئي تجاه التجارة الحرة. لكن هجوم اوباما يستحق الفشل. ففيما يتعلق بشؤون السياسة الخارجية يظهر أوباما كذابا بينما تبدو كلينتون صادقة.

بدءا من النقاش حول العراق، يعرف كل مرشحي الرئاسة الديمقراطيين أن إيران ستكون مخيفة إن هي أصبحت نووية، وهم يعرفون أن الأوروبيين ظلوا يتفاوضون مع إيران بصبر كبير لتجميد برنامجها وأن الإيرانيين ظلوا معاندين. لكن كلينتون هي المرشحة الديمقراطية الوحيدة التي تبنت بوضوح الخطوة اللاحقة: الدفع بقوة نحو عقوبات قد تغير حسابات إيران. وبعكس كل خصومها دعمت كلينتون الحل المستند إلى فرض عقوبات في مجلس الشيوخ، ومنذ ذلك التصويت ظل أوباما وبقية المرشحين الديمقراطيين يهاجمونها بلا هوادة.

هذا لا يعني أن منافسي كلينتون على خطأ، بل هم لا يمتلكون الشجاعة لتحدي الناخبين المعارضين لبوش منذ البداية، والذين يرون أن الوقوف مع الرئيس في أية قضية يحول المرء إلى وحش حقيقي. قال جون ادواردز على سبيل المثال: «أنا تعلمت درسا واضحا من الفترة التي سبقت الحرب ضد الحرب عام 2002، وهذا درس أظن أن على السيناتورة كلينتون وغيرها أن يتعلموا منه. والدرس هو أنك إذا أعطيت بوصة للرئيس فإنه سيأخذ ميلا ثم يشن حربا. أما أوباما فردد ذلك بطريقة أخرى: «أنت لا تستطيع إعطاء الرئيس صكا مفتوحا ثم تستغرب لاحقا حينما يقوم بتصريفه».

الحقيقة هي أن كلينتون لا تعطي هذا النوع من الصكوك، وإذا كان بوش يريد قصف إيران أو يضرب الوحدات الإيرانية داخل العراق فإنه يستطيع القيام بذلك من دون قرار صادر عن مجلس الشيوخ. لكن أوباما وادواردز شديدا العزم على جلد بوش إلى الحد الذي يرفضان فيه تأييد أية سياسة يقترحها حتى لو كانا من المؤيدين لها. فبعد أن أعلنت إدارة بوش عن رزمة جديدة من العقوبات ضد إيران يوم الخميس الماضي أعلن ادواردز أن الرئيس وفريقه قعقعوا مرة أخرى «بسيوفهم في تحركهم صوب إجراء عسكري». يتأمل خصوم كلينتون التاريخ لكنهم لم يتوصلوا إلا إلى درس ضيق حول بوش: لا تثقون به حينما يواجه بلدا مسلما. لكن الدرس الأكبر من العراق الذي يؤكد أن الحروب قابلة للوقوع بسبب غياب المواجهات. ومن بين المرشحين الديمقراطيين كانت كلينتون تمتلك الصدق كي تصر على أن المبرر للحرب كان معقولا في ذلك الوقت حتى لو أن الفائدة الناجمة من الحرب اتضحت لاحقا كارثية. والالتزام بذلك الموقف الصعب سياسيا، على الرغم من نتائجه البائسة، هو ناجم عن حقيقة كون الحروب تكون أحيانا هي الخيار الأقل سوءا، كما تقول كلينتون، فهي لم تهرب من القوة العسكرية حتى مع أن المناخ السياسي يجعل خيارا من هذا النوع جذابا. كذلك هو الحال مع العقوبات، فإن كلينتون تظل الوحيدة التي تصر على أن العقوبات هي ليست مقدمة للحرب بل وسيلة لتجنبها، وهي على الأكثر ستنجح. والأكثر من ذلك هو أنه إن كان الخيار العسكري يحوم في الخلفية، وهذا هو السبب الذي يجعل أية تعليقات ميالة للحرب من قبل بوش أو نائبه لا تثبت أن الحرب استراتيجية لا محال منها. وفكرة أن يكون التهديد بالحرب يمنع من وقوع حرب حقيقية هو درس أولي من النظرية النووية، لكن يبدو أن كارهي بوش لا تحضر إلى أذهانهم.

ويبدو أن أوباما الذي وعد بتجاوز الحزبية خائف جدا من قاعدة حزبه الكارهة لبوش كي يقدم تلك الرؤية، إنه أمر مثير للدهشة أن كلينتون التي واجهت مكائد الجناح اليميني قبل فترة قصيرة وقفت خارج دائرة الكارهين لبوش في تشكيل رؤية عالمية واسعة، إنها قطعت شوطا طويلا خلال عقد واحد فقط.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ «الشرق الأوسط»