انتخاب إيفيتا

TT

لا تزال ايفيتا بيرون الناخب الاول في الارجنتين. قبيل موعد الاقتراع تخرج من ضريحها وتلقي الخطب من على شرفة «الكازا روزادا» الرئاسية وفي الساحات وتلقي تحية المساء على مقاهي العمال وتوزع الادوية على ربات البيوت مجاناً. وثمة معاهدة لا تلغى، وقعتها ايفيتا على سرير النزع مع اهل السهول والقرى والمدن وأحفادهم وأحفادهم وأحفادهم: لا تكون لكم اسطورة وطنية غيري. ولا يخلفني احد الا باسمي. واحذروا التقليد.

حاول الحكام العسكريون مرة الشروع في انهاء اسطورة ايفيتا فسرقوا رفاتها ونقلوه الى دولة اخرى، لعلها الاوروغواي. وبدل التجمع حول الضريح اخذ اهالي بوينس ايرس يتجمعون في الساحات والشوارع والازقة. فأعيدت ايفيتا اليهم. هناك اسطورتان: الاولى، اسطورة ايفيتا، والثانية اسطورة الارجنتين وايفيتا. مذيعة قروية معوزة تتزوج الضابط خوان بيرون، زعيم البلاد، وبعد قليل يدرك انها سبب شعبيته واستمراره. وقد اطيح ونفي وعاد رئيساً ومعه زوجة ثالثة خلفته بعد وفاته. وبقيت ايفيتا سيدة القصر الوردي.

لا تصدقوا ان الارجنتين انتخبت يوم الاحد كريستينا فرنانديز دي كيرشنر. هراء هراء. لقد انتخبت ذكرى ايفيتا. تريدها ان تطل عليها مرة اخرى من شرفة القصر الوردي. يريد الرجال ان يلقوا عليها التحية وهم ذاهبون الى اعمالهم او الى بطالتهم في المقاهي ومراقص التانغو. والنساء يردن ان يلوحن لها ويهتفن. والقرويات يردن ان تراهن يبكين وهن يضعن مناديلهن على افواههن باكيات فرحا بها، لا يعرفن الفرق بين انين الفرح وانين الحزن.

كيف يمكن ان تفصل الارجنتين عن البيرونية؟ كيف تلغي هيلينا من الاغريق وجاندارك من فرنسا وكليوباترة من روما؟ الناس تتمسك بالاسطورة. وتتعلق بالمغرقات في العادية عندما يتحولن الى اساطير. ثم تروح الناس تحوك الاساطير الصغيرة حول الاسطورة الكبرى وتلفها حول نفسها مثل شباك العنكبوت. انها تهوى مثل هذا الأسر الجميل ولا تريد الخروج منه.

لا شيء يشبه حكاية الارجنتين وايفيتا بيرون. وفي البداية كنت انفر من هذه الظاهرة البدائية. ولا افهم كيف لبلد راق ان يغرق في وهم اسطوري ويرفض الخروج. وكنت كلما قرأت كتاباً آخر عن بيرون وايفيتا ازداد غموضاً وازداد انبهاراً. ولا تعود تدري ان كانت ايفيتا احبت الناس اكثر مما احبوها ام العكس. لقد خرقت كل القوانين من اجلهم لا من اجلها. ونزلت الى همومهم ولم تطلب منهم مشاركتها همومها. وجعلت من عائلتها البسيطة ومنشئها صورة للناس. وأصبحت البيرونية هي ايفيتا وليس الجنرال بيرون. وكانت تمضي وقتها في المستوصفات التي بنتها ومراكز المساعدة. ومسكينة الرئيسة الجديدة. سوف تكتشف غداً ان الناس انتخبوا ايفيتا وانه من المستحيل تكرار ايفيتا الآن. لكن من يمكن اقناعهم بذلك.