أنابوليس على الأبواب: «نحن أصحاب حق ولا نطلب تنازلات» !

TT

ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، عشية زيارته الأخيرة لبريطانيا التي كانت زيارة عربية.. لبنانية وعراقية وسودانية وفلسطينية، في حديثه التاريخي لهيئة الإذاعة البريطانية الـ «بي. بي. سي» لم يسمعه لا الإسرائيليون ولا البريطانيون ولا الأميركيون ولا العرب ولا الفلسطينيون من قبل، وهذا يجب أن يكون حاضراً وباستمرار في كل المفاوضات واللقاءات المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبالنزاع في الشرق الأوسط على طريق الحلول السلمية المقبولة المنشودة.

خلال الساعات الأخيرة التي سبقت هذه الزيارة، التي لم يحاول التشويش عليها إلا بعض المناكفين من الهامشيين الذين يعيشون بطالة سياسية، سألت الـ «بي. بي. سي» الملك عبد الله بن عبد العزيز عن التنازلات التي يريدها العرب من الإسرائيليين في مفاوضات «أنابوليس» في ميريلاند في الولايات المتحدة وكان جوابه المفاجئ الذي لم يكن يتوقعه لا السائلون ولا المستمعون: «نحن أصحاب حق وليس طلاَّب تنازلات ولا نريد سوى حقوقنا التي انتزعها الإسرائيليون بالقوة».

لم يكن هذا الموقف الواضح والحاسم والدقيق حاضراً في أي مفاوضات سابقة وكان الرأي العام الغربي يتفطَّرُ قلبه شفقة وحزناً وألماً عندما كان يسمع واحدٌ بمواصفات شارون وبمواصفات شامير ومناحم بيغن وبنيامين نتنياهو وأيضاً أيهود باراك وأيهود أولميرت يقول وهو يتخذ هيئة المتبرع المسكين المغلوب على أمره: «لقد قدَّمتُ للفلسطينيين تنازلات مؤلمة ولكنهم لم يقدروا ما قدمته لهم لأنهم يريدون إفناء الدولة الإسرائيلية وإلقاء الإسرائيليين في البحر»!! .

وهنا وفي هذا الاتجاه ذاته فإن ما يؤكد أن هذه البضاعة الإسرائيلية لا تزال رائجة في أسواق الرأي العام الغربي أن أكثر من صحيفة غربية، أميركية وبريطانية، بدأت تمهد لمؤتمر «أنابوليس»، الذي من المتوقع أن يُعقد في نحو نهايات هذا الشهر وبدايات الشهر المقبل، بالحديث عن أن أولميرت «المسكين»!! بحاجة إلى غطاءٍ سياسي من قبل الإدارة الأميركية ليستطيع تقديم «التنازلات المؤلمة» المطلوبة لإنجاح هذا المؤتمر ولتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم، التي تحدث عنها الرئيس جورج بوش أكثر من مرة. لم يقل هذا الكلام الواضح والحاسم، الذي قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز عشية زيارته الأخيرة إلى بريطانيا: «نحن لا نطلب تنازلات.. نحن أصحاب حق ولا نريد إلا هذا الحق»، قبله أحد وكان الإسرائيليون يسرحون ويمرحون ويشغلون العرب والفلسطينيين والعالم بقضيتين بقيتا حاضرتين في كل محطات التفاوض التي توقفت فيها أزمة الشرق الأوسط وهما:

أولاً: كان المفاوضون الإسرائيليون دائماً وباستمرار يسعون لحرْف المفاوضات عن مسارها المفترض بإشعار مفاوضيهم العرب والفلسطينيين بأن إسرائيل دولة ديموقراطية وأن هناك معارضة حقيقية تلاحق خطاهم لحظة بلحظة وأنها تكمن لهم عند كل منعطف وأن هناك برلماناً منتخباً «الكنيست» متيقظاً وأنه سيحاسب على كل فاصلة وعلى كل نقطة ولذلك فإن أي مرونة في المفاوضات من قبلهم، أي من قبل الإسرائيليين يجب أن تعتبر تنازلات مؤلمة !

أما بالنسبة للمفاوض العربي والفلسطيني، وهذا ما بقي الإسرائيليون يقولونه لمفاوضيهم وللرأي العام العالمي، فإنه يفاوض بلا رقيب ولا حسيب إذْ لا ديموقراطية هناك، لا عربية ولا فلسطينية، وإذْ لا برلمانات تحاسب ولا رأياً عاماً يستطيع قول رأيه ولا أحزاب حقيقية وبرامجية موجودة، وحقيقة أن هذا رغم انه يخرج من أفواه الإسرائيليين من قبيل ترويج بضاعتهم الخبيثة فإن فيه الكثير من الصحة وهناك في هذا المجال أمثلة كثيرة بالإمكان العثور عليها في ملفات ومحاضر جلسات المفاوضات الجديدة والقديمة.

ثانياً: أن الإسرائيليين انطلقوا منذ البدايات، قبل مؤتمر مدريد وبعده وخلال كامب ديفيد الأولى والثانية وقبل اتفاقيات أوسلو وبعدها وأثناء المؤتمر الدولي الشهير الذي انعقد في جنيف في سويسرا والذي سمي مؤتمراً دولياً وهو ليس كذلك، في مفاوضاتهم مع العرب والفلسطينيين من منطلق أن الأرض أرضهم «التاريخية ـ التوراتية الموعودة» وأنهم إذْ يبدون أي استعداد للتخلي عن أي جزءٍ منها إن للمصريين أو للفلسطينيين أو للسوريين فإنهم لا يتخلون عن حق لغيرهم انتزعوه اغتصابا وبالقوة وإنما يقدمون تنازلاً مؤلماً عن حقٍّ لهم هم بشهادة النصوص التلمودية!

حتى الآن لم يعترف الإسرائيليون الأكثر يمينية وتطرفاً، ومن بين هؤلاء، إنْ ليس كل الذين وصلوا إلى مواقع المسؤولية فمعظمهم، بأن الضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان أيضاً أراضٍ فلسطينية وعربية محتلة وكذلك فإن حتى المعتدلين منهم عندما يتحدثون عن قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل استجابة لدعوات الرئيس الأميركي جورج بوش، فإنهم في حقيقة الأمر لا يتصورون هذه الدولة إلا حكماً ذاتياً إدارياً منقوصاً.

ولذلك فإن أيهود أولميرت عندما يتحدث، بينما مؤتمر أنابوليس غدا على الأبواب، عن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية، فإنه لا يتحدث عن حقوق مغتصبة للفلسطينيين، لا بد من التخلي عنها إحقاقاً للحق واستجابة للإرادة الدولية، بل هو يتحدث عن «تنازلات مؤلمة»! سيقدم عليها ويطالب الأميركيين والأوروبيين والفلسطينيين والعرب وكل من له علاقة بهذا الأمر في الكرة الأرضية كلها، بتوفير غطاء سياسي له في المفاوضات يكون بمثابة شبكة أمان ليستطيع تقديم مثل هذه «التنازلات»!

بعد أيام سينعقد مؤتمر «أنابوليس» الذي سيحضره الفلسطينيون والعرب الأعضاء في لجنة المتابعة العربية المنبثقة عن قمة الطائف الأخيرة أو بعضهم والذي سيكون برعاية دولية من خلال اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا ولذلك فإن المفترض أن يكون ما قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز: «نحن لا نريد تنازلات.. نحن أصحاب حق ولا نريد إلا هذا الحق» عنواناً عربياً لهذا المؤتمر الذي سيكون رغم كل ما قيل فيه وما يثار حوله محطة رئيسية على طريق عملية السلام وإيجاد حل عادل ومقبول للقضية الفلسطينية أساسه إقامة الدولة المستقلة.

منذ لحظة افتتاح هذا المؤتمر، على العرب أن يؤكدوا على ما قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز «إننا لا نريد تنازلات فنحن أصحاب حق ولا نريد إلا هذا الحق»، فحكاية «التنازلات المؤلمة»، التي اعتاد الإسرائيليون على إغراق كل مؤتمرات وكل مفاوضات إيجاد حل لأزمة الشرق الأوسط وللقضية الفلسطينية بها، يجب إبعادها منذ البداية فالأمور واضحة وضوح الشمس والعرب والفلسطينيون قبلوا بـ «المساومة التاريخية» على أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وخارطة الطريق ومبدأ الأرض مقابل السلام وهذا مطلب حقٍّ وليس طلب تنازلات لا مؤلمة ولا غير مؤلمة.

وهنا فإنه قد يجد البعض في ما ينادي به الرافضون لعملية السلام انطلاقا من أن إسرائيل تضع كل هذه العراقيل في طريقها حجة للمطالبة بعدم الذهاب إلى «أنابوليس» وهذا هو ما يريده الإسرائيليون الذين يريدون أن يدير العرب والفلسطينيون ظهورهم للإرادة الدولية ولتوجهات العالم بأسره حتى يؤكدوا أن هؤلاء ضيَّاعوا فرص ٍوأن هدفهم الحقيقي هو السعي لتدمير الدولة الإسرائيلية مثلهم مثل محمود أحمدي نجَّاد!