برويز مشرف.. وجهان ولونان

TT

أعلن الرئيس برويز مشرف، السبت الماضي، بوصفه قائداً للجيش، حالة الطوارئ في باكستان. وصحح متحدث باسمه البيان الذي صدر، وقال ان مشرف اصدر القرار الخاص بفرض حالة الطوارئ بوصفه رئيساً للبلاد وليس بوصفه قائدا للجيش. لكنهم فيما يبدو لم يكن لديهم وقت كافٍ كي يفكروا في هذا القرار التاريخي.

ما الذي ادى الى سير الأمور على هذا النحو الخاطئ في باكستان؟

يبدو ان مشرف استشار ادارة بوش، إلا ان رد الفعل الانتقادي من جانب واشنطن يشير الى انه لم تحدث أية استشارة.

دافع مشرف في خطابه الرسمي يوم السبت عن إعلان حالة الطوارئ وقال: «من فضلكم لا تطالبوا بمستوى الديمقراطية المطبقة عندكم لأننا نحاول ان نتعلم. امنحونا بعض الوقت. نحاول ان نتعلم بشأن الحريات المدنية وقضايا اخرى. تحلوا بالصبر وتفهموا مشكلتنا». للرئيس مشرف وجهان ولونان. انه يتحدث مع اميركا وأوروبا بصورة مهذبة وناعمة وفي نفس الوقت يشهر قبضة حديدية في وجه شعبه. يتصرف مشرف داخل منزله (باكستان) كأسد وفي الشارع كثعلب. رد الفعل الاميركي لم يكن متوقعاً. وكان البيت الأبيض قد طلب من الجنرال مشرف يوم السبت التخلي عن موقعه كقائد للجيش قبل أداء القسم كرئيس للبلاد وإجراء انتخابات برلمانية. المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الاميركي، غوردون غوندروف، وصف الوضع الجديد في باكستان بأنه «مثير للإحباط». وناشد الجنرال مشرف الوفاء بتعهده في وقت سابق بالاستقالة من قيادة الجيش وإجراء انتخابات عامة في باكستان قبل 15 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وزيرة الخارجية الاميركية، كوندوليزا رايس، قالت من جانبها ايضا ان قرار الجنرال مشرف إعلان حالة الطوارئ في باكستان امر مؤسف وطالبت بعودة سريعة الى الدستور.

ماذا حدث من ناحية اخرى؟

بموجب إعلان حالة الطوارئ، صدرت اوامر للقضاة بأداء قسم يتعهدون فيه بالالتزام بـ«الأمر الدستوري المؤقت» الذي حل محل الدستور الحالي للبلاد. اما الذين فشلوا في أداء القسم، فقد تقرر عزلهم من وظائفهم. ونشرت صحف باكستانية، مثل Dawn الأمر الدستوري المؤقت. وقال مساعد لرئيس القضاء الباكستاني افتخار محمد تشودري ان سبعة من كبار القضاة رفضوا الأمر. وأصبح تشودري بطلا وطنيا في باكستان هذه الأيام. وصف القضاة أمر الجنرال مشرف بأنه «غير قانوني» وحثوا قادة الجيش على عدم الالتزام به.

غادر القاضي تشودري والقضاة الآخرون الى منازلهم، التي كانت محاطة بقوات الشرطة، التي منعت الصحافيين من دخول المنطقة وقطعت خطوط الهاتف وشوّشت على ارسال واستقبال الهواتف الجوالة في هذه المنطقة.

أعلنت وسائل إعلام تديرها الحكومة الباكستانية ان ثلاثة من كبار القضاة، معروفين بتأييدهم للجنرال مشرف، أقسموا على مساندة إجراء فرض حالة الطوارئ. كما اعلن ايضا ان قاضي المحكمة العليا عبد الحميد دوغر حل محل تشودري رئيساً للقضاء. وظهر الجنرال مشرف في التلفزيون الرسمي. وقال في خطاب استمر 45 دقيقة، انه اعلن الطوارئ للحد من الهجمات الارهابية و«الحفاظ على التحول الديمقراطي الذي بدأته قبل 8 اعوام». وأشار الجنرال الذي كان يرتدي رداء مدنيا، الى الرئيس الاميركي ابراهام لنكولن الذي عطل بعض الحقوق خلال الحرب الاهلية الاميركية كمبرر لحالة الطوارئ التي اعلنها. واستخدم الرئيس مشرف العديد من العبارات الشاعرية والرومانسية مثل: «باكستان روحي، وهي وجودي، وأؤمن بذلك، وحالة الطوارئ ستفيد باكستان وتقدمها وازدهارها».

اما الواقع فهو شيء آخر. فيبدو ان الجنرال مشرف رجل شجاع فقد دمر اسمه وبلاده، واتخذ واحدة من اكثر الخطوات غرابة لحاكم في تاريخ باكستان الذي يمتد لمدة 60 سنة، وأوقف العمل، ليس فقط بالدستور ولكن ايضا سلطاته الشاملة كرئيس وفضل التصرف كرئيس للأركان.

وكان اسلوبه وتصرفاته مليئة بالتناقضات، فقد القى كلمة بملابس مدنية، وأوقف العمل بالدستور، وتحدث عن الارهاب والتطرف الأصولي، وحاصر القضاء.

وتقول بي نظير بوتو ان ذلك ليس حالة طوارئ، بل هي قوانين عرفية وسيحتج عليها شعب باكستان. وقد وقعت حادثة غريبة في باكستان، فقد القت الشرطة القبض على الجنرال المتقاعد حميد غول. وكان رئيسا للاستخبارات الباكستانية. ويعني ذلك ان مشرط مشرف قطع رقبته.

وقال حميد غول «لنكن واضحين، لا يوجد دستور اليوم في باكستان». واعتقد ان مشرف عبر الخط، وتعدى قدراته واعتقد انه تسبب في الكثير من المشاكل لباكستان ونفسه. وكان على مشرف الاختيار بين مصالحه وباكستان، ولسوء الحظ اختار ذاته. وركز على قطبين اساسيين في باكستان؛ القضاء والإعلام. مَنْ يمكنه تأييده في هذه المعركة الجديدة؟ ان القضاء والإعلام يلعبان دورا فعالا في باكستان، كيف يريد إسكات تلك المؤسسات القوية؟

ولنقارن بين مشرف وبوتين؟ فالرئيس بوتين هو اول حاكم في تاريخ روسيا والاتحاد السوفياتي الذي يترك السلطة منطلقا من الانتخابات والديمقراطية. لقد احترم الدستور الروسي والقانون. واعتقد انه يؤمن بالتاريخ باعتباره افضل حكم.

ومشرف وعدد من السياسيين الآخرين مثله يعتقدون انهم منقذو دولهم، وان لديهم مسؤولية تاريخية. والتاريخ افضل وثيقة تظهر ان هؤلاء الانبياء الجدد دمروا دولهم.

لماذا لم يفكر الجنرال مشرف في السلطة والحكومة في الهند؟ لماذا لم تقع انقلابات عسكرية في الهند؟ اين الجنرالات الهنود. انها قصة مريرة في باكستان. فلنفكر في باكستان، دولة بلا دستور، تعرقل الاعلام وتقبض على القضاة والسياسيين. كيف يمكن للجنرال مشرف ان يفخر ببلاده؟ على العكس هذا مناخ مناسب للتطرف، لأنه في عدم وجود سلطة القانون يمكنهم تبرير تصرفاتهم. فليبارك الله باكستان.