الساذجات

TT

كان جون كيندي أول رئيس أميركي «يوظف» المفكرين رسمياً في البيت الأبيض. وقد فتح ذلك الطريق فيما بعد أمام رجال مثل هنري كيسنجر وزبغنيو بريزنسكي. وكان ابرز رجال كيندي المؤرخ آرثر شليزنغر، الذي توفي قبل اشهر قليلة وصدرت مذكراته (1952 ـ 2000) اخيرا في 900 صفحة. يكتب شليزنغر لمفكرته في ايامه الاولى في البيت الابيض، ان معرفة جاكلين كيندي بالشؤون السياسية كانت غاية في السذاجة، وان زوجها الرئيس كان يرتعد عندما تتحدث في الامور السياسية لكي لا يظن السامعُ ان رأيها في الناس هو رأيه ايضاً. وأسر كيندي لصديقه المؤرخ ذات يوم انها قالت لوزير الثقافة الفرنسي اندريه مالرو بأن «المستشار الالماني الغربي كونراد أديناور كان مختلا الى حد ما».

ويروي شليزنغر ان بعض الممثلات الشهيرات اللاتي استضافهن البيت الابيض كن على جانب من الذكاء والبعض الآخر كن على الجانب الآخر. الذكيات: لورين باكال، شيرلي ماكلين وجينا لولو بريجيدا. أما «خيبات الأمل» فكن مارلين مونرو ومارلين ديتريتش وانجي ديكنسون.

وقد شعر بحزن شديد عند مقتل كيندي وقرر ألا يكون قريبا من السياسيين المعرضين للخطر. لكن روبرت كيندي دعاه الى ان يكون قربه ثم اغتيل هو ايضا، وعندها ظن ان قراره اصبح نهائيا، ثم ما لبث ان انضم الى حملة جورج ماكغفرن السياسية. ويصارح اوائل السبعينات بأن غباء بعض السياسيين المشاهير كان يرعبه: «كان معظمهم ادعياء وعلى خطأ وحتى اغبياء» ويقول ان كيسنجر كان مراوغا «يقول لك شيئا ويقول عكسه لسواك».

لا يكن الاعجاب لجيمي كارتر «الصغير الحقير». وكان يعتقد ان كارتر وليندون جونسون يعانيان من خلل عقلي. وذات يوم يسأل مفكرته وهو يكتب عن ريتشارد نيكسون وهيوبرت همفري: «هل يعقل ان يكون المرء جاهلا ومتعجرفا الى هذا الحد؟». ويبدي اعجابه بالمرشح الرئاسي ادلاي ستيفنسون: «الأمل الخلاق الوحيد بين سياسيينا». لكن بعد اغتيال كيندي يراه يدخل البيت الابيض وهو يضحك، فيرى فيه الوصولي الذي يسعى الى رضا جونسون.

يغيب كيسنجر في المفكرة ثم لا يلبث ان يعود. وهو يلتقيه غالبا في واشنطن الى الغداء. وقد قال له ذات يوم «لم اعرف رجلا اكثر فسادا في الادارة من دونالد رامسفيلد». ولكن ماذا عن صاحب المذكرات نفسه؟ آه، انه في ازمة مالية دائمة، يعيش من محاضرة الى محاضرة، ويضيّع الوقت سدى وهباء في التزامات اجتماعية لا معنى لها. وتقول له جاكلين كيندي «ارى انك افضل جار يجلس الانسان الى جانبه إلى أي مائدة». لكنها لم تدعه الى منزلها مرة واحدة. وها هم آل كلينتون ايضا يقللون من دعوته الى حفلات البيت الابيض. بعد الثمانين يبدأ المرء بفقد اصدقائه حقا.