الشرق الأوسط: الترويج للتعددية بدلا من الديمقراطية

TT

طرح مسؤول فرنسي رفيع عليّ هذه الفكرة: نحن في الغرب ربما نتمكن بدلا من الترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط ـ وهي فكرة ظلت مشوهة بسبب ارتباطها بالقوى الغربية التي كانت ذات يوم مستعمرة للمنطقة ـ أن نركز على الترويج لصالح التعددية التي تمتلك المنطقة تاريخاً طويلاً لها.

إنها وجهة نظر سديدة. فجوهر الديمقراطية هو مداورة للسلطة بشكل سلمي، بغض النظر عمن خرج من السلطة سواء كان حزبا أم عشيرة. لكن هذا الاسلوب لا وجود له في العالم العربي ـ المسلم اليوم حيث يظل المبدأ السياسي التالي قائما دائما: «السلطة أو الموت». إما أن تكون مجموعتي في الحكم أو أن أقتَل أو أسجَن أو أمضي إلى المنفى أو أعيش بعيدا عن الأضواء. لكن الديمقراطية هي ليست حول حكم الأغلبية بل هي حول حقوق الأقلية. وإذا لم تكن هناك ثقافة تتعامل بروح متسامحة مع الأقليات وتمنحها حقوقها بشكل متساو مع غيرها فإنه لن يكون ممكنا للديمقراطية أن تمد جذورها في مجتمع كهذا.

لكن احترام التنوع والتعدد شيء يجب أن يبرز من داخل الثقافة المحلية نفسها. نحن قادرون على إجراء انتخابات نزيهة في العراق لكننا لا نستطيع زرع ثقافة التعددية. لذلك كان على أميركا وأوروبا أن تمر بحروب أهلية فظيعة للسماح بولادة الثقافات المتعددة فيها. والعالم العربي ـ المسلم سيمر بمرحلة صراع الأفكار نفسها التي سادت في أوروبا وأميركا من قبل.

لقد عدت للتو من الهند التي احتفلت بذكرى نظامها الديمقراطي الستين. وباكستان التي تجاورها تعيش حالة تفكك. نعم الشعب واحد وأبناؤه يأكلون الطعام نفسه ويشبهون بعضهم البعض ويرتدون ملابس متماثلة. لكن هناك فرقا واحدا: للهند ثقافة التعدد والهند تحتفل بالذكرى الستين لديمقراطيتها وهذا متأت لأنها تحتفل أيضا بألفية التنوع الثقافي والديني فيها بما فيها فترة الحكم المسلم.

يعمل الباحث الهندي نايان تشاندا حاليا مديرا لمركز المطبوعات في مركز جامعة يال لدراسات العولمة. وفي كتابه المشوق «مقيدون ببعضنا البعض: كيف يصوغ التجار والمبشرون والمغامرون والمقاتلون العولمة»، يتحدث عن دور تلك الشخصيات التي تقوم بربط العالم بعضه ببعض. وقال مذكرا بتاريخ الهند: «كان للامبراطور المسلم أكبر الذي حكم الهند في القرن السادس عشر في ذروة الامبراطورية الموغالية، في بلاطه مسيحيون وهندوس وزرادشتيون ويانيون. والكثير من مسؤوليه الكبار كانوا من الهندوس. مع ذلك كان شديد التمسك بإسلامه. نحن نجد في ذلك الملك شخصا يعرف من هو ومع ذلك يحترم كل الديانات الأخرى. كان نهرو الهندوسي وأول رئيس وزراء للهند من أكثر المعجبين بالإمبراطور أكبر».

لم يكن أكبر متسامحا فحسب بل كان يحترم الديانات والأفكار الأخرى. ولعل لهذا السبب شكلت دولته أقوى إمبراطورية في تاريخ الهند قاطبة. وبإمكان باكستان بنفس المواهب والقدرات التي تمتلكها ان تستخدم نموذج الإمبراطور المسلم أكبر لبناء دولة متعددة مثل الهند.

* خدمة «نيويورك تايمز»