الملف الثاني

TT

إذا كان المواطن الأمريكي يعتقد أن الرئيس الحالي جورج بوش هو «ورطة» و«مقلب» بسبب سياساته العسكرية والخارجية بالعراق، والفشل الذريع الذي مني به، فهو سيصاب بذهول واكتئاب نتاج سوء إدارته للملف الاقتصادي والذي بدأت نتائجه تباعا. فمنذ أيام وبشجاعة واستقلالية تحسب له، صرح رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي (وهو يعادل منصب محافظ البنك المركزي) أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في شهادته الإعتيادية، بأن الاقتصاد الأمريكي مقدم على أزمة حادة جدا، وأن النمو سيشهد تقهقرا حادا يؤثر على كم غير بسيط من الصناعات والخدمات. والاقتصاد الأمريكي الذي لا يزال يواصل تلقي تبعيات زلزال أزمة مسألة الرهن العقاري، والتي تسببت في استقالة رئيسي مصرفي «ميريل لنشر» و«سيتي جروب» أحد أهم البيوت المالية، يواصل تلقي الضربات في عملته وحجم دينه العام ودينه التجاري، في ظل استمرار الدول في البحث عن عملات أكثر استقرارا وإدارة أكثر اتزانا، وللمرة الأولى تبدأ النتائج المالية لبورصة لندن وحجم التعامل فيها (وخصوصا في مسألة مثل صناديق التحوط) تظهر أن لندن باتت في مركز تفوقت فيه على بورصة نيويورك العريقة. ومحافظ البنك المركزي الأمريكي قدم في شهادته درسا مبهرا للمسؤولين الماليين في العالم، وقدم طرحا جريئا وموضوعيا، وغاية في الاستقلالية بلا شائبة تدخل أو تأثير، على عكس العديد من المسؤولين الماليين في دول العالم الثالث تحديدا، الذين يقدمون طروحات دفاعية عن الوضع مليئة بالمغالطات والأفكار، حتى تتحول أشبه بالمونولوج الكوميدي الهزيل! الملف الاقتصادي وضرره الكبير وتبعياته الهائلة المتوقعة لا يلقى نفس القدر من الاهتمام والمتابعة بالولايات المتحدة الأمريكية مثل نظيره ملف الحرب والدمار على العراق، لأن النتائج بالعراق أكثر دموية ووحشية إلا أن تداعيات التدهور بالاقتصاد الأمريكي آخذه في الظهور، وهروب الاستثمارات من أمريكا في ازدياد نظرا لتخبط الادارة الحالية وتذبذب أولوياتها بشكل فج. ولكن أمريكا كنظام (وهذا سر عظمتها) قادرة على تعديل نفسها، ونقد نفسها وتقديم السياسات والتشريعات المعدلة للمسار الخاطئ، وأمريكا بطبيعة الحال ليست جورج بوش، وهي أيضا ليست عصابة المحافظين الجدد بنهجها المتهور، والى أن يعي الناخب الأمريكي حقيقة ما حدث له مع الإدارة الحالية والثماني سنوات العجاف، التي قضاها على مرحلتين رئاسيتين، سيكون رده حاسما في صناديق الاقتراع برفض الاستمرار على نفس الطريق والمطالبة بالتغيير، ولكن هل ستنجلي الحقيقة؟ كل الحقيقة؟ والأهم هل سيحدث كل ذلك في الوقت المناسب؟