كان طه حسين أبعدنا نظرا !

TT

غلطة تقليدية في سياستنا الخارجية. وكان يجب تداركها منذ وقت طويل: أن ننظر الى السودان على أنه دولة شقيقة مجاورة. والأصح أن نفتح الأبواب والشبابيك بيننا وبين السودان ولا جواز سفر.. لأننا امتداد للسودان والسودان امتداد لنا. والعلاقة حيوية وحياتية أبدية وكان السادات عندما يتكلم عن السودان يقول: اخوالي.. فالسادات تركيبة فريدة: أبوه سوري وأمه سودانية وهو زعيم مصري..

ولا أحد في مصر يسأل أحداً إن كان صعيدياً أو نوبياً أو سودانياً.. وفي السودان نلتقي بالذين أمهاتهم وآباؤهم من المصريين أو الذي نعلمه في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا.

ولي تجربة. فقد أنشات مجلة اسمها «وادي النيل» وطبيعي كنا نقع في أخطاء من حين إلى حين. وأهم هذه الأخطاء هي أسماء السادة السودانيين.. وللحساسية الشديدة كانوا يرون في ذلك اهمالا أو استخفافا أو لا مبالاة. والحقيقة أن بعض هذه الأسماء غير مألوفة. فاخترت لي نائباً سودانياً يتولى مراجعة الأسماء أولا بأول.

وفي يوم كنت في الخرطوم. وقيل لي إن الرئيس نميري مزكوم. وأننا سوف نعانقه ونقبله. وسوف تنتقل لي العدوى فوراً.

فذهب معي الى الصيدلية لكي آخذ حقنة نوفالجين يوسف السباعي وبعض رؤساء التحرير. وبدلا من أن نبقى دقائق أمضينا ساعات من المتعة والعتاب والامتنان. فقد دخلنا في غرفة خاصة في داخل الصيدلية واذا بهم يعرفون كل صغيرة وكبيرة في السياسة وفي الفن وفي الأدب. وقد سأل أحدهم: إن كان صحيحاً أن ليلى علوي هي التي تحب فلاناً أو هي نبيلة عبيد وإن كانت الراقصة نجوى فؤاد. ولم نعرف الإجابة عن كل هذه الاسئلة..

ومع الأسف لا نزال نعاني من هذا الموقف الذي يجب ألا نقف عنده. إن استاذنا طه حسين اقترح من خمسين عاماً أن يكون للجامعة كرسي للدراسات السودانية ـ يرحمه الله لقد كان أبعد وأعمق وأصح نظراً!