زيارة الملك عبد الله لبريطانيا: دفء ملكي معهود.. وانتقادات قصيرة النظر

TT

انتهت الزيارة الرسمية للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لبريطانيا، ويعمل كل طرف الآن على جرد وتلخيص نتائج الزيارة. يمكن القول انه كان مخيباً للآمال ان الجانب البريطاني سمح الى حد كبير للنقد العام والتوقعات الزائفة بتشويه اول نوع من هذه الزيارات لأول مرة منذ عشرين عاما.

لم تبدأ الزيارة على نحو يبشر بالنجاح. فوزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، ألغى اجتماعا كان مجدولا خلال الزيارة وغادر الى الولايات المتحدة لحضور ولادة طفل سيتبناه. لميليباند الحق، بالطبع، في التمتع بحقوقه الأسرية، إلا ان عدم إبداء اهتمام كاف بالجانب السعودي ليس إشارة مشجعة. إلغاء ميليباند لاجتماعه المجدول خلال زيارة العاهل السعودي لم يترك أمام وزير الخارجية السعودي صاحب الخبرة والتجربة، الأمير سعود الفيصل، سوى إلغاء مشاركته لأسباب تتعلق بالبروتوكول. وفي نفس الوقت أعلن الرئيس المكلف لحزب الديمقراطيين الأحرار، فينسنت كيبل، مقاطعته للزيارة بسبب ما قاله عن معارضة حزبه لسجل السعودية في حقوق الإنسان. كان هذا الموقف طفوليا ومثيرا للاستياء لدى الجانب السعودي، فضلا عن كونه يفتقر الى التهذيب والكياسة.

الزيارات الرسمية مناسبات رمزية مهمة، الهدف منها التأكيد على أهمية وقيمة العلاقة بين البلدين.

لبريطانيا مصلحة كبيرة في المحافظة على علاقات طيبة بينها والسعودية. فالمملكة العربية السعودية اكبر شريك تجاري لبريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، ذلك ان حجم صادرات بريطانيا اليها وصل الى 4.4 مليار جنيه استرليني العام الماضي، أي أكثر من جملة الصادرات الى منطقة الشرق الأوسط بكاملها.

العلاقات السياسية أمر حيوي أيضا. فالدور الاقليمي للرياض حاسم. وفي هذا السياق يمكن القول إن الدبلوماسية السعودية ظلت على مدى سنوات تتسم بالحذر الزائد. إلا أن ذلك تغير الآن. فالسعودية أصبحت أكثر جرأة واستعدادا للعب دور قيادي، وباتت مبادرة الملك عبد الله للتسوية الشاملة مع إسرائيل أساسا لمقترحات السلام الخاصة بالجامعة العربية قبل خمس سنوات، وهي الخطة المقبولة الآن لدى إسرائيل كأساس واقعي لمؤتمر السلام العربي ـ الإسرائيلي المقترح المقرر عقده قريبا.

ظلت بريطانيا تشارك منذ فترة طويلة في الجهود الرامية للتوصل الى تسوية سلمية في الشرق الأوسط. فقد ظل رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، يحث الرئيس الاميركي، جورج بوش، باستمرار على لعب دول أكثر نشاطا في جمع كل الأطراف المعنية. وبعد انتهاء فترة رئاسته للحكومة ظل بلير يسافر الى المنطقة في محاولة لترقية نوع الحوار الذي فشل في تحقيقه عندما كان رئيسا للحكومة. ما يمكن قوله هنا هو أن للمملكة العربية السعودية دورا حاسما في أي تسوية دائمة، فثروتها وتحالفها مع الغرب لم يمنحاها أهمية دولية فحسب، بل إن نفوذ خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله، سيكون حاسما في إقناع العالم الإسلامي بأن الوقت مناسب للتوصل الى تسوية سلمية.

ثمة قضيتان أخريان تتلاقي فيهما المصالح السعودية ـ البريطانية، أولاهما العراق. فلندن ستسحب قواتها قريبا من العراق بعد حرب لم تجد قبولا واسعا داخل بريطانيا، لكنها في حاجة الى أن تترك وضعا مستقرا وراءها عقب الانسحاب.

وتحاول بريطانيا من جانبها إقناع الرياض بممارسة نفوذ معتدل على المسلمين السنّة الذين يشعرون بالإحباط ويقفون الى جانب الانتفاضة. القضية الثانية المهمة تتمثل في إيران. فالمملكة العربية السعودية لها أيضا شكوكها العميقة، كما هو الحال بالنسبة للغرب، تجاه نوايا إيران النووية، وثمة حاجة مهمة لتنسيق السياسات تجاه طهران بين الغرب ودول مجلس التعاون الخليجي.

يضاف الى ما سبق أن الإرهاب قضية لا يمكن تجاهلها. ليست هناك أدلة تذكر لأي صلات إرهابية بين متطرفين سعوديين وعناصر إسلامية في بريطانيا. وكان الملك عبد الله قد أصر خلال لقاء أجري معه على أن المملكة العربية السعودية حذرت بريطانيا من هجمات متوقعة في السابق.

ويبدي البعض قلقا من احتمال تلقي متطرفين في الغرب دعما ماديا ودينيا بصورة غير مباشرة من أثرياء سعوديين، إلا أن الانتقادات العامة لم تكن مناسبة، ذلك أن السعودية حاربت الإرهاب بقوة داخل أراضيها خلال السنوات الثلاث السابقة. كما أن بريطانيا لا تملك الحق في أن تفرض على السعودية كيفية تعاملها مع هذه القضية.

أيضا الانتقادات التي أثيرت حول افتقار السعودية الى برلمان منتخب أو سجلها في حقوق الإنسان كانت قصيرة النظر. ما يجب فهمه في هذا السياق هو أن السعودية حققت تقدما كبيرا في فترة وجيزة، وهذا أمر ظهر بوضوح خلال الزيارة الرسمية للعاهل السعودي الى معرض الصور التاريخية الخاص بأول زيارة لعضو في الأسرة الملكية البريطانية الى السعودية عام 1938، وهي صور ظهرت فيها مؤشرات الافتقار الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال ما قبل حقبة الازدهار النفطي.

يجب ألا ننسى أن الملك عبد الله هو ابن الملك الذي وحد المملكة العربية السعودية، والتغييرات التي شهدها عهده والإصلاحات التي أحدثها أساسية ومهمة عندما نقارنها بالتغييرات التي حدثت في الدول الأخرى.

ملكة بريطانيا والأسرة المالكة استقبلوا السعوديين بكل الحفاوة والدفء المعهودين، وربما يكون ذلك قد عنى الكثير للعاهل السعودي. إنه لمن المؤسف ألا يبدي البلد كله نفس التفهم والمساندة خلال تلك الزيارة.

* صحافي بجريدة «التايمز» البريطانية مختص في شؤون الجماعات الإسلامية خاص بـ «الشرق الأوسط»