حذار من الحائط !

TT

هناك شخصيات وزعامات في تاريخ العالم العربي لا يمكن وصفها بالعامية اللبنانية سوى بأنهم «فوتونا بالحيط»، ومع ذلك لا تزال هذه الشخصيات تلقى الدعم والتأييد والتشجيع والهتاف باسمها، ففي مصر لا تزال شخصية جمال عبد الناصر لها قاعدة جماهيرية عريضة، بالرغم من تسببها المباشر في هزيمة نكراء أودت بضياع أكثر من نصف الأراضي العربية المحتلة، وتأميم ثروات شعبه (ونحن في انتظار مسلسل تلفزيوني جديد مثل مسلسل «الملك فاروق»، يظهر حقيقة عبد الناصر وحقبته بصراحة ودون رتوش) مقابل السادات الذي استعاد أرضه كاملة، أو صدام حسين الذي دمر بلاده في حروب، ومع ذلك لا تزال هناك مجموعات من الناس تعتقد بأنه كان البطل المهم والقائد المبجل.

حاول جماعة «التفويت بالحيط» في السابق تحرير فلسطين عن طريق الكويت، أو عن طريق لبنان أو عن طريق تشاد أو عن طريق اليمن وفي كل مرة كانت المنطقة بأسرها تدفع الثمن أضعافا مضاعفة. أصوات التخوين والتشكيك عادت للارتفاع ونغمة المزايدة رجعت الى الساحة، وانتقلت المسألة من التحليل السياسي الى «طق الحنك» أو«فش الخلق» السياسي، وهذا لعمري شيء مختلف تماما! حزين المشهد العربي الحالي: الديمقراطيات العربية الموجودة اليوم في العراق ولبنان لا تنال الضوء الأخضر إلا بمباركة المرجعية الشيعية الأولى السيستاني بالعراق، والبطريرك نصر الله صفير بلبنان في مثل صارخ لما وصلت اليه الديمقراطية الطائفية عربيا! ولا يمكن نسيان الجولات المكوكية للدبلوماسي السوداني في وساطته بلبنان بين الفرقاء، بينما بلاده نفسها تشهد تآكلا متسارعا في ثلاثة أقاليم رئيسية فيها هي الجنوب ودار فور وشرق السودان، وكيف يمكن لنا أن ننسى المشهد الفلسطيني المؤلم والاحتفال «بتحرير» غزة وإعلان استقلالها الذي اقامته حماس على حساب السلطة الفلسطينية والذي يؤكد على كارثية الوضع وبؤسه!

هناك جدران جديدة تقام، جدران دينية وأخرى ثقافية وغيرها اقتصادية ومنها اجتماعية كلها مؤهلة لأن يتم «إدخالنا» فيها بالقوة، مثلما حدث في السابق مرات مختلفة وكلها بدواعي شعارات خالية من المضمون وبدون هدف.

خطط التعليم ومطالب التنمية ودواعي الاصلاح المطلوبة جميعا ستهدد بالزوال لو أقيمت الجدران أمامها، حتى الحلول السياسية لأزمات المنطقة السياسية تهدم وتدمر لو سمح بتشييد «حوائط» مميتة أمامها. ما بين الجدران التي أقامها العرب وعزلوا أنفسهم عن العالم وما بين الجدران التي «فاتوا فيها» بسبب حماقات سياسية تبقى فسحة الأمل المطلوبة للتغيير ولكن مساحتها تتقلص بسرعة.

[email protected]