الصوت في باكستان والصورة في أفغانستان

TT

عندما قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركي جون نيغروبونتي أن بلاده تدعم باكستان بقيادة الجنرال برويز مشرّف، ربما كان تناهى الى سمعه ان منطقة وزيرستان (قبلية على الحدود الأفغانية) انهارت فيها الإدارة المدنية، وان مقاتلي «طالبان» و«القاعدة» يتجولون ويجولون هناك. أو أن منطقة سوات على الحدود الشمالية الغربية فقدت تسميتها «الجنة على الأرض«، وانه تتردد فيها أصوات المدفعية والرشاشات في محاولة من الجيش الباكستاني لاستعادة المدن والقرى فيها التي سقطت بأيدي المتطرفين.

لقد جاء اعلان مشّرف حالة الطوارئ في باكستان مع بدء السنة السابعة لسقوط حكم «طالبان» في أفغانستان، الا ان سقوط الحكم لم يمنع عودتهم مجدداً أكثر اصراراً من السابق على إحياء الإمارة الإسلامية الأفغانية باعتماد التكتيك العراقي في زرع متفجرات، والقيام بعمليات انتحارية وتفخيخ السيارات.

والملاحظ ان الاستراتيجيين الأطلسيين والأميركيين قللوا كثيراً من الأخذ في عين الاعتبار عامل اللا استقرار الذي تشكله عودة «طالبان» في قلب منطقة الباشتون الممتدة على طرفي الحدود الافغانية ـ الباكستانية، ونتيجة لذلك فان الغرب والعالم معه يواجه صراعاً معقداً في دولة يفسدها العداء العرقي، وعلى وشك ان تصبح دولة المخدرات الأولى في العالم.

وحسب إحصاءات وضعتها الأمم المتحدة، فان ثلث الاقتصاد الأفغاني يعتمد على الأفيون، والذي يزيد من بشاعة الصورة في أفغانستان أن 90% من ضباط الشرطة متورطون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بتجارة الهيرويين. وسبق للملا دادوالله اخوند (قتلته قوات التحالف في شهر مايو الماضي عندما كان في زيارة لعائلته جنوب أفغانستان) ان صرح: «لا يمكننا الكشف عن اي معلومات تتعلق بإنتاج الأفيون والهيرويين، لأن هذه بمثابة سلاحنا النووي لاستعماله في الخارج».

في ندوة مغلقة جرت أخيراً في لندن، حول الوضع في افغانستان، طرح العائدون من هناك اهمية الوقت بالنسبة لـ«طالبان»، وان الصبر، بعد المخدرات، هو السلاح الطالباني الفتاك ضد حامد كرزاي (الرئيس الأفغاني) والغرب. ورأى هؤلاء هشاشة التفكير الغربي اذا كان الاعتقاد بامكانية توفير الاستقرار في افغانستان من دون باكستان، وبالذات في مناطق القبائل الحدودية حيث الوضع ينهار بسرعة، وأكدوا ضرورة ان تقوم باكستان بدور فعال في استقرار أفغانستان شرط ان تستقيم اجهزتها الأمنية قبل ان ينفجر الوضع في مناطق القبائل على طرفي الحدود. ورأى المشاركون في الندوة المغلقة ضرورة حماية استقرار باكستان التي تملك السلاح النووي لأن الراديكاليين الاسلاميين واضحون جداً في تطلعهم الى وضع اليد عليه، وتبين ان باكستان بقيادة مشّرف تحتاج الى دعم، كما ان الدولة هناك تحتاج الى ضغط لترميم العلاقة السامة القائمة بين بعض اجهزتها الامنية والمقاتلين الإسلاميين المتشددين مع اعترافهم بأن تلك الاجهزة ما كانت تتمتع بتمويل جيد، او تُعتبر مهمة وضرورية لو زال الخطر الإرهابي في باكستان، وهذا يدفع الى التخوف من تقاعس تقوم به تلك الأجهزة لأن انعدام عامل الخطر الإرهابي يعني أزمة اقتصادية في صفوفها، وفي ظل هذه المعادلة يجب حماية الأكثر عرضة في تخفيض الميزانية، اي أصحاب الرتب الصغيرة عبر توفير ضمانات مالية غير متعلقة بمكافحة الإرهاب.

هذا الشتاء قرر «طالبان» ان يقاتلوا خلال فصل البرد القارس، ويحاولوا تنسيق عملياتهم بالتوجه صوب كابول العاصمة، ولأن جبال الثلوج في افغانستان تعرقل العمليات التقليدية الضخمة، تبقى العمليات الانتحارية وزرع المتفجرات الخيار المفضل لـ«طالبان». وكان شهرا اكتوبر ونوفمبر أعطيا نماذج عما ستكون عليه عمليات الشتاء الطالبانية.

تبقى خطة «طالبان» الأساسية التسلل الى مقاطعة لوغار الواقعة بين كابول وغازني. وبمجرد ان يقيم «طالبان» وجوداً لهم في غازني يصبح الوصول الى لوغار الخطوة الثانية اذا كان هدفهم زعزعة العاصمة كابول. وإذا استطاعوا تثبيت موطئ قدم لهم في لوغار سيكونون في موقع مناسب جداً لشن هجمات على خط قندهار ـ كابول ولقطع المواصلات من والى مقاطعات باكتيا، وباكتيكا وخوست. من المؤكد ان قوات الحلف الأطلسي لن تسمح لهم بتنفيذ هذه الخطة، لكن توتير الأمن في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية هو هدف بحد ذاته، لأن هدف «طلبان» نشر القلق والخوف.

ان مثل هذا الامر يحدث حالياً في شمال وشرق كابول حيث ان مقاتلي «طالبان» يقتربون من المراكز الادارية والمالية للدولة. وهم موجودون في مقاطعات كونار ونورستان ويسيطرون على أراض واسعة في المناطق الجبلية ويشتبكون مع القوات الاميركية المنتشرة في اسد آباد، ثم ان «طالبان» يسيطرون بشكل ثابت على عدة معابر على الحدود بين افغانستان وباكستان.  منذ انهيار امارة «طالبان» الإسلامية، تُعتبر كابول جوهرة حكم كارزاي، وتعرف قيادة «طالبان» انه ليس بمقدورها تهديد العاصمة حالياً، لكن خطتها استنزاف قوات التحالف وإلحاق الهزيمة المعنوية بكارزاي.

بالإضافة الى القلق من عودة «طالبان» هناك قلق اكبر من  «القاعدة» التي عادت الى توفير التدريب والتمويل للمقاتلين الأفغان كما انها توفر لهم الخبرة لإعادة التنظيم وتشكيل شبكات من الخلايا السرية داخل وحوالي كابول. وحسب احد العائدين من كابول الذي تحدث في الندوة المغلقة، فإن التنسيق بين المقاتلين الأفغان والمقاتلين الأجانب قائم في منطقة معروفة بأنها معقل العنف الإسلامي وهي منطقة كونار ـ نورستان (تحت سيطرة طالبان)، وهناك الآن تنظيم غير معروف نسبياً يدعى «جيش السلفية» انشأ لنفسه وجوداً بين المقاتلين الأفغان ويتلقى دعماً من العرب الذين استقروا منذ سنوات في تلك المنطقة، إنما اللاعب الأساسي في تلك المنطقة يبقى «كشمير خان» وهو قائد مخضرم من جماعة حزبي إسلامي لقلب الدين حكمتيار ، ويحيط به  مقاتلون عرب وباكستانيون وهم يحرسون مقره.

وقد تبين في الندوة ان «طالبان» الجدد صاروا اسياداً في استعمال الوسائل الاعلامية لكسب عقول وقلوب «ابناء الامة«، ونجحوا الى درجة ان الشبان الاوروبيين الذين يتم تجنيدهم يفضلون القتال في افغانستان بدل العراق، وقد يكون السبب ان المقاتلين العراقيين توقفوا عن استقبال المتطوعين ويفضلون فقط المقاتلين المتدربين والانتحاريين، وكانوا قد اعادوا الكثيرين من متطوعي شمال افريقيا الذين وصلوا الى العراق من دون مال ومن دون استعدادات قتالية، وانتهوا لاحقاً في نهر البارد مع «فتح الإسلام»، وما زال المقاتلون العراقيون على استعداد لاستقبال متطوعين غير مدربين إنما يصلون وهم يحملون أكواماً من المال!

على كل، ان قتال الأشهر الاثني عشر الماضية لم يكن سهلاً على «طالبان» وهجوم الصيف لم يتحقق بعدما فقدت الحركة قائدها الفعلي الملا دادوالله اخوند الذي خلفه شقيقه منصور. وكان دادوالله وثّق العلاقة مجدداً بين «طالبان» و«القاعدة»، لكن بقية قيادة «طالبان» لم تكن متحمسة آنذاك للتنسيق مع «القاعدة». وحالياً يدير منصور عملياته من «ميرامشاه» فيما بقية قيادة طالبان تتحرك في «كوشلاك» على بعد 12 ميلاً من كويتا في مقاطعة بلوشستان الباكستانية، والطرفان يدينان بالولاء للملا عمر، والأخير الذي لا يظهر علنا يصدر الأوامر والتوجيهات عبر الملا «بيرادر» قائد عسكري من هيلماند ومتزوج من شقيقة زوجة الملا عمر، وهؤلاء جميعاً لا يزالون تحت تأثير المستشارين الباكستانيين الذين عملوا سابقاً مع المجاهدين.

وتبين في الندوة، أن الشخصية الفعالة الموحدة داخل حركة «طالبان» هي مولوي جلال الدين حقاني الذي جيّر اتصالاته وعلاقاته وثروته الى حركة «طالبان» الجديدة، وهو يسيطر على أراض على طرفي الحدود، وكان اسامة بن لادن اقام مخيم التدريب «الفاروق» على ارض يملكها حقاني، وبسبب المرض يتولى أبناؤه سراج الدين ونصير أحمد وشقيقه إبراهيم دفة أعماله. وتتمتع عائلة حقاني باحترام من قبل كل الاطراف الجهادية.

ان عودة بروز «طالبان» دفعت الأطراف الأخرى لا سيما الطاجيك الى إعادة التسلح، ولا ينقص الطاجيك السلاح، ذلك ان منطقة وادي «بانشهير» التي كان يسيطر عليها احمد شاه مسعود، تعتبر مخزناً للسلاح والذخيرة.

ان حكومة كارزاي تعتمد على قاعدة من الباشتون، الذين بدأوا يشعرون بأنهم محصورون في الزاوية، فمن جهة هناك حكومة كارزاي المدعومة من الغرب والمطعّمة بوزراء من الطاجيك، ومن جهة ثانية هناك الجيش الباكستاني ذو الاغلبية البنجابية. وهذا الوضع هو ارض خصبة لـ«طالبان» الذين يتطلعون الى مؤازرة «طالبان» باكستان الذين اقسموا البيعة للملا عمر، وقد بدأ هؤلاء في قطع رؤوس الجنود الباكستانيين، وإحراق المحلات التي تبيع الموسيقى الغربية، وإغلاق مدارس الفتيات.

إن الحرب مشتعلة بين قوات التحالف و«طالبان» في افغانستان، وبين القوات الباكستانية والمتطرفين الإسلاميين. القوات النظامية تنهزم والمنتصرون هم مقاتلو «القاعدة» و«طالبان». لا يمكن فصل ما يحدث في أفغانستان عما يحدث في باكستان، والعكس صحيح. كارزاي حتى الآن صامت، لكن مشّرف سأل اخيراً: هل الديموقراطية أكثر أهمية من البلاد؟ وإذا صارت البلاد دولة فاشلة فمن الأكثر اهمية؟ الجواب سيأتي عبر عمليات من «طالبان» و«القاعدة».