على هامش المؤتمر الدولي للإرهاب بتونس: الملاحقة تحت الرماد

TT

تسيطر ظاهرة الإرهاب منذ تاريخ أحداث 11 سبتمبر 2001 والى اليوم على اهتمامات النخب السياسية الحاكمة في الوطن العربي. فهي ظاهرة، أعلنت عن نفسها بشكل مفاجئ وكارثي، مما أربك محاولات فهم أسبابها وتفسيرها باعتبارها أكثر الظواهر تعقيدا وتشابكا. وبمرور الوقت وتواتر الأحداث الارهابية وباستنفار المختصين والخبراء في مجالات النفس والاجتماع والاقتصاد والثقافة، بدأت تفك خيوط الارهاب ويتضح للمعنيين بفهمها وبمعالجتها، دواعي ظهورها وأشكال تمظهراتها وبالتالي تم الاقتراب من تحديد آليات المعالجة.

وفي بدايات محاولة التصدي لظاهرة الارهاب، لاحظنا إخفاقا لأنه في فترة الارتباك الأولى، تم الاستنجاد فقط وحصريا بالمعالجة الأمنية وتجاهل كافة طرائق المعالجة الأخرى واعتبارها فاقدة للمردود الآني بحكم استنادها الى آليات معالجة، تظهر نتائجها على المدى الطويل. ولكن يبدو أننا قد توصلنا الى نوع من الرشد في مقاربة ظاهرة الارهاب، عندما اقتنعت النخب السياسية العربية بأنه لا مجال لتجاوز جذور الارهاب دون فهم ومعالجة الأسباب المنتجة له، وهو ما نجد له صدى في فعاليات المؤتمر الدولي حول الإرهاب، الذي عقد نهاية الأسبوع الفارط في تونس.

ومن أمارات بلوغ المقاربة العربية حاليا مرحلة النضج والرشد، إقحام الأجهزة الثقافية والدينية العربية في الملف، حيث انتظم المؤتمر المذكور بالتعاون بين وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بتونس وبين المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة ومنظمة المؤتمر الاسلامي. ومثل هذه النقطة لطالما طالب بها المثقفون العرب وبحت أصواتهم وهي تنادي بتوزيع الأدوار بين ما هو أمني لردع أحداث آنية وما هو ثقافي سوسيولوجي.

وبالإضافة الى أهمية استيعاب أسباب ظاهرة الإرهاب، من المهم إذا ما أردنا فعلا معالجتها كظاهرة سوسيولوجية، تتخذ طابعا مسيسا، أن نتحلى بالشجاعة من خلال الاعتراف بالعلاقة العضوية بين ما هو اجتماعي واقتصادي وبين بروز ظاهرة الإرهاب بمعنى أن مؤشر التنمية وحده كاف، لتوقع امكانيات ظهور الارهاب والعنف في الممارسات الاجتماعية والسياسية. بل وحتى تقدير مداها إن لزم الأمر. وكي نكون أكثر وضوحا لا يكفي استنكار الارهاب كعقلية وكسلوك ولا يكفي أيضا تبرئة الدين الاسلامي منه لأنها براءة مضمونة، فالأصلح للجميع الالتفاف حول الأسباب الدفينة والرئيسية المنتجة للإرهاب.

فمن يتأمل خصائص البيئة العربية اقتصاديا واجتماعيا، يدرك توفرها على خصوبة عالية مفرخة لظاهرتي العنف والإرهاب. بل كيف يمكن للارهاب أن لا يسيل لعابه، وفي العالم العربي أكثر من سبعين مليون شخص يعاني من الأمية وبعد سنتين سيصبح عدد العاطلين عن العمل 25 مليون عاطل ؟

إن البطالة سوس ينخر النفس والإرادة العربيتين وتحول المكتوي بها الى يائس ضعيف ولقمة سائغة لأمراض نفسية وللإدمان وللسقوط ضحية سهلة لدى الأصوليين. وتزداد هذه النسب وغيرها رعبا ودلالات مخيفة، عندما نضع في الاعتبار أن 60 بالمائة من سكان البلدان العربية شباب وعمرهم دون الخامسة والعشرين. زد على ذلك أن 83 بالمائة من التعداد العربي، يعيشون في مستوى دخل متدن، لا يحفظ كرامة العيش.

إن هذه المؤشرات الدامغة والصادمة، لا بد من أن تجابه بوعي جاد وحارق، خصوصا أن نيران الارهاب، قادرة على التخفي تحت الرماد لفترة أطول من كل تقديراتنا والسبيل الوحيد لمحاربتها، هو الحفر في ما تحت الرماد ونقصد بذلك التجند بشكل صارم للقضاء على الأمية، التي تعتبر وصمة عار وأيضا وضع آليات ناجعة للتقليص من حجم البطالة.

وبما أن الداء انتشر بنسب متفاوتة في الجسد العربي وأصبح الجميع معنيا بتأثيراته، فإن الحلول المشتركة خصوصا في مجال التنمية الاقتصادية، باتت أكثر من ضرورية. كما أنه لا سبيل الى مزيد من تأخير الاصلاح السياسي وإطلاق الحريات، لأنه من هنا يتمعيش الإرهاب ويلبس عباءة التسيس. فهل ننجح بعد أن حصل الفهم العميق والمتعدد لمسألة الارهاب في ملاحقته في عقر داره تحت الرماد وذلك بالتوازي مع ملاحقته فوق السطح وهو شاهرا الموت ضدنا ؟