«حرب الأديان»

TT

صورت مجلة «الايكونوميست» العريقة على غلافها العالم وهو يستعد «لحرب الأديان»، كما أطلقت عليها في إشارة واضحة إلى أن العالم مقبل الآن على الخطوة التالية من صراع الحضارات، ويظهر أن منطقة الشرق الأوسط هي المختبر التحضيري لهذه النظرية البادئة في التحقق. ولعل ما يحدث في العراق، يؤكد إلى حد كبير صدق هذه المقولة وبامتياز. وبالإضافة إلى ما يحدث في ظاهر الأمور، هناك صراع خفي وهادئ ولكنه في غاية الأهمية على دور المرجعية في الفقه السياسي الشيعي بين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي والمرجعية الشيعية المعروفة في العراق السيستاني.

فمنذ إعلان الخميني مبدأ نظرية ولاية الفقيه (والتي اعترض عليها أهم مرجعية شيعية في العالم وقتها السيد الخوئي) دخلت فلسفة الحكم في الفقه الشيعي إلى حيز وعالم جديد غير مسبوق. فبينما يمتنع السيستاني عن إبداء آرائه صراحة في الكثير من الصراعات السياسية الحاصلة بدول فيها مجاميع شيعية، تتبع المدرسة الفقهية الأخرى أساليب واضحة وصريحة وتمارس ضغوطات صريحة لأجل ذلك.

جمعني عشاء مؤخرا مع المفكر الأمريكي المعروف (وهو من الأصول الإيرانية) ولي نصر صاحب الكتاب الأكثر مبيعا «عودة وهج الشيعية» والذي يحكي عن نهضة الفكر الشيعي من جديد، وهذا الكتاب لقي رواجا لدى الرئيس الأمريكي الحالي شخصيا، وهو يرى أن المشروع الإيراني السياسي أسير المشروع المذهبي، ولذلك لا يلقى التأييد المطلوب بمنطقة شديدة الحساسية من التباين والفروقات المذهبية التي تغتال طموحات التنمية بشتى الصور والأساليب؛ فالمشاريع التي سوق لها البعث والناصرية أو الحزب القومي السوري الاجتماعي كانت بالأساس مشاريع علمانية (مع الاعتراف وعدم إغفال الجوانب الكارثية والاستبداد وسوء الاستغلال للطرح المصاحب لتلك الأفكار) واليوم تلجأ إيران لتوسيع قاعدة نفوذ مرجعيتها، في ظل الصراع التقليدي القديم بين حوزة النجف وحوزة قم، ومع الموارد المالية الهائلة التي تكونت لديها نتاج الطفرة النفطية الكبرى، وفي ظل عدم وجود استقرار سياسي ملموس بالعراق مقر حوزة النجف، تلجأ إيران إلى التقنية الحديثة لمحاولة سحب البساط من قوة حوزة النجف التقليدية والتي كانت تشكل المرجعية الأولى لأكثر من 85% من شيعة العالم بلا جدال؛ وذلك بإطلاق سلسلة هائلة من المحطات الفضائية والمواقع الالكترونية والحوزات الافتراضية لتغطية أكبر قدر ممكن من الطلبات وتوسيع وجود المرجعية في المشروع السياسي الإيراني الكبير.

السيستاني إلى الآن وبثقله لم يسمح بفلتان الأمور بصورة مخيفة ومفزعة، والأمر الجدير بالتأمل هو المرحلة التي تلي السيستاني لأن المشروع السياسي الإيراني (المشروط) سيستمر في التوسع وإثارة المخاوف والريبة، ويبقى الخوف الأكبر أن يتحول هذا التنافس ما بين مدرستين فكريتين إلى صراع دموي يدفع ثمنه الأبرياء، والتاريخ الإسلامي عموما مليء بأمثلة كثيرة تدعم فرضية ذلك الأمر.