الطريق في اتجاهين

TT

تقف سورية للمرة الثانية خلال ربع قرن أمام خيار قومي فاصل. المرة الأولى وقفت إلى جانب طهران في الحرب العراقية ـ الايرانية، ضد جارها وشقيقها البعثي الذي كانت على عداء شديد معه. والآن تخالف دمشق الاكثرية العربية مرجحة كفة التعاون الكلي مع ايران، الذي عبَّر عنه وزير خارجيتها الدكتور وليد المعلم في طهران بالقول «نحن وايران نعمل من اجل غرض واحد».

وتلتقي سورية مع ايران في ثلاث قضايا بلغ فيها الاستقطاب حد الانفجار: لبنان وفلسطين والعراق. والساحات الثلاث حلبات صراع علني مع الولايات المتحدة. والى حد بعيد مع دول اوروبا، وخصوصا المانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا، التي ترسل الى بيروت وزراء خارجيتها في رحلات متتابعة، وتمركز قواتها العسكرية في جنوب لبنان، استنادا الى القرار 1701. ومعروف ان الدول الاوروبية نادرا ما ترسل عسكرها ضمن القوات الدولية، واما المانيا فإنها نادرا ما ترسل قواتها الى أي مكان. لكن التظاهرة الاوروبية المتكررة اخفقت في اقناع سورية بتليين موقفها في لبنان، او بخفض درجة التضامن والتحالف مع ايران. ويشعر الاوروبيون، خصوصا المتوسطيون منهم، ان سقوط لبنان في الفوضى مرة اخرى، قد يفجر اوضاعا كثيرة. ويخشون انه اذا تعرضت الصيغة اللبنانية لخلل حقيقي قد يصبح من الصعب تقوية الصيغ التعددية القائمة في قلب اوروبا، حيث المتحدات الاهلية والوطنية سريعة العطب، من سبتة الى كوسوفو. وثمة قضية عاجلة ومقلقة في بروكسيل، عاصمة الوحدة (الاوروبية) حيث تنزلق دولة البلجيك نحو التفكك بين الفلامنديين والوالونيين، اسرتي الدولة. وتشعر اوروبا ان اميركا بعيدة ولا تعرف معنى الخطر إن هو انفجر مرة ثانية في بلاد البلقان او في لبنان. وقد اصغيت امس الى كولن باول محاضرا في الكويت، حيث قال بعقلية العسكري ولهجة الديبلوماسي ان لا ضربة اميركية لايران، اولا لأنه بعد العراق وافغانستان سوف تبدو واشنطن وكأنها لا تشن الحملات الا على البلدان الاسلامية، وثانيا لأن العام عام انتخابات في اميركا، والجمهوريون لا يريدون خسارتها امام الديمقراطيين.

على ان هذا لا يمنع ان المواجهة مع ايران مستمرة ومتصاعدة. ويخيل اليَّ ان الغرب الذي يهدد طهران بالعقوبات يشعر بالضغط المقابل في لبنان. ويدفع لبنان، كالعادة، الثمن. اما سورية فهي تبقي جميع الابواب مفتوحة: باب السلام في المنطقة وحضور انابوليس، واستمرار العلاقة العضوية مع طهران التي لا تقبل بأي سلام مع اسرائيل، وحتى باب الحوار مع اميركا. وبالتالي تجد في الساحة اللبنانية اوراقها الاساسية. ففي العراق الاولوية لايران. وفي فلسطين شراكة مع ايران. اما في لبنان فهي المؤثر الاول، برغم العلاقة الايرانية مع حزب الله. لذلك جاء العاهل الاردني الى دمشق بعد طول انقطاع. ولو كانت المسألة مسألة علاقات ثنائية لكان ناجي العطري ذهب الى عمان في زيارته المقررة التي الغيت. فنحن في زمن الاستثنائيات.