هل تحول التشاؤم من أي حل فلسطيني عادل إلى وباء سياسي؟!

TT

من نافل القول التأكيد على حساسية مقاربة المسألة الفلسطينية في وضعيتها الحالية بسبب الإرث السياسي العريض الذي تكبدته القضية حتى أثقلتها بحمولات قومية وآيديولوجية أخرجها من سياق الممكن السياسي إلى المطلق المبدئي حتى غدا مجرد الاقتراب من حل نهائي وحاسم يمثل نقطة ممانعة بذاتها دون النظر في الشروط أو الاستحقاقات ومدى إمكانية العمل على تطويرها.

هذه الحساسية يعاني منها المفاوض الفلسطيني الذي يدفع أكلاف دأبه السياسي أثماناً مضنية من الاتهام بالعمالة والتواطؤ مع العدو في حين أن تحركه باتجاه تغيير الواقع الرابض على الحياة السياسية الفلسطينية أفضل من البقاء تحت منصة إطلاق الاتهامات والوعود جزافاً دون إيجاد حتى مرجعية سياسية يمكن التفاوض عليها، وهذا ما يعيب للأسف حماس ما بعد الانفصال أكثر مما كان يمكن أن تنتقد به قبل الاستئثار بغزة فقبلا كان الجميع يدرك أنها جزء لا يمكن القفز عليه من قبل منظمة التحرير حتى مع عدم إيمانها بمرجعية أوسلو أو مطالبتها بأن يتحمل الجميع مسؤولية الصواريخ المرسلة من قواعد تدخل في حيز سيطرتها، لكنها بعد التحول الأخير الذي أفقدها الكثير من هيبتها الأخلاقية التي كانت تستمدها من شعاراتها والتصاقها المباشر بمفهوم المقاومة كمكون هوياتي للحركة، أصبحت تقف على قدم المساواة في ما يتصل بالاستحقاقات والواجبات.

ما أريد قوله اليوم أكبر من مجرد لوم حماس على حساسيتها التي أصبحت وباءً سياسياً على المستوى العربي بامتياز بسبب التحول للقضية من الجانب السياسي إلى الآيديولوجي وتضخم هذا الآيديولوجي بأدوات قومية وأخرى إسلاموية؛ هذا التضخم وإن كان حقاً طبيعياً على مستوى الموقف السياسي إلا أن له تبعات النفي والإقصاء لأي آراء أخرى موازية ومن هنا فيحق للكثيرين ممن يرون في مفاوضات الحل النهائي وتحديداً المبادرة العربية التي أطلقها الملك عبد الله مفتاحاً للحل، من حقهم أن يقلقوا إزاء التجاهل لهكذا اتجاه عبر إحجام الكثيرين ممن يؤمنون بضرورة اجتراح حل نهائي وعادل كقناعة عميقة لكنهم يخشون إعلان هذه القناعة عبر الكتابة عنها بشكل صريح دون الاستعاضة عن ذلك بنقد سلوك حماس أو دعاة التصعيد السياسي والعسكري من التيارات القومية أو حركات الإسلام السياسي.

إن الخطوة الأولى باتجاه التغيير في القضية الفلسطينية أياً كان نوعه يجب أن لا تأتي بإرادة سياسية دون مناخ فكري وإعلامي يدعمها ومن هنا يمكن فهم صورة الرئيس عباس وحيداً ومتروكاً للفراغ رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها، كما يمكن قراءة حالة الفراغ هذه من خلال تقارير الشخصيات الأمريكية رفيعة المستوى الذين خفت حماستهم تجاه مشروع الحل الأخير على أساس الدولتين، فزبيغنيو بريجنسكي مستشار الامن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر وكبير مستشاري باراك أوباما، يرى في حل الدولتين مغامرة فاشلة وهناك بيان صادر من كبار الشخصيات في الحزب الديمقراطي من أبرزهم لي هاميلتون، الرئيس المشارك لمجموعة دراسة الوضع في العراق، وتوماس بيكرينغ، نائب وزير الخارجية في حكومة الرئيس بيل كلينتون، وثيودور سورينسون، المستشار الخاص للرئيس جون كيندي يؤكد ما ذهب إليه بريجنسكي.

وبغض النظر عن هذا الاتجاه التشاؤمي الذي أعتقد أنه مبني على قراءة ردود الأفعال في الداخل العربي أكثر من رصد المواقف السياسية الرسمية، فإن حل الدولتين على أساس حدود عام1967 مع الالتزام بوضع استراتيجية خاصة للأماكن المقدسة وأزمة اللاجئين، بدأ يفقد حظه كساعة رملية تتساقط حباتها ببطء بسبب المراوغة والصلف الإسرائيلي الذي يقتل الوقت والآمال معاً كما أن تلك المراوغة تضع الإسرائيليين أمام مواجهة مفتوحة سياسية ضد حل الدولة الموحدة وحقوقية ضد المناخ العالمي الذي بدأ ولو بشكل بطيء يتململ من موقف إسرائيل وطريقتها في إدارة الأزمة فضلا عن المواجهة الدموية التي ظلت جراحاتها تثعب أسى منذ البداية وحتى أمد غير معلوم قد يهدد الوجود الإسرائيلي نفسه كما يؤكده امانويل وولر شتاين أحد كبار الباحثين في جامعة ييل وهو بالمناسبة فقط! مؤلف كتاب انهيار القوة الامريكية في عالم من الفوضى.

[email protected]