قراءة في ملف العلاقات السعودية ـ الروسية

TT

نشّطت زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) إلى موسكو في سبتمبر 2003، وبدرجة كبيرة، العلاقات السعودية ـ الروسية. وساعد في ذلك كنتيجة لهذه الزيارة، الصيغة النهائية التي تم اتخاذها أثناء الدورة الثانية والعشرين لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقدة في 30 يونيو 2005 بالعاصمة اليمنية صنعاء، بشأن قبول روسيا في هذه المنظمة بصفة مراقب، وهذا يمتلك أهمية إستراتيجية، ويظهر النهج الجديد لموسكو في الشؤون الدولية، ويعكس المتغيرات الجديدة في الوضع الدولي، بما فيها توزع القوى في العالم.

وفي مطلع فبراير 2005، وبمبادرة من السعودية عقد في الرياض المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، شارك فيه ممثلون عن 51 دولة في العالم وكانت روسيا أحد المشاركين في هذا المؤتمر، وشددت المملكة في خطابها على التنافر المبدئي بين الإسلام والإرهاب (الفكرة التي أصبحت أساسية في المملكة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001)، وفي المقابل طرح الوفد الروسي فكرة أن «الإرهاب العالمي لا يهدد المصالح القومية لروسيا فحسب، بل إنه أصبح أكثر تحديات البشرية خطورة على أعتاب الألفية الجديدة».

عقدت في 7 ـ 8 ديسمبر 2005 في مكة القمة الاستثنائية الثالثة لرؤساء بلدان وحكومات دول منظمة المؤتمر الإسلامي، وشاركت فيها 75 دولة من أعضائها، وخمس دول لها صفة مراقب، بما فيها روسيا، وفي خطاب المملكة يتضح وبشكل جلي، سعيها إلى التأكيد على الاعتماد المتبادل للتطور اللاحق للعالم المعاصر، وشارك ممثلو روسيا الاتحادية وبشكل نشط، في صياغة فقراته. والفكرة الغالبة على نص هذا البلاغ هي ضرورة قطع العلاقة بين الإرهاب الملصق بالدين والدين نفسه.

ومع ذلك، تطلب التقارب اللاحق بين البلدين إلى دوافع إضافية، بجانب الدافع الرئيس المتمثل في زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز، (ولي العهد آنذاك) إلى موسكو. وتمثل الدافع الآخر في زيارة الرد التي قام بها في فبراير 2007، إلى الرياض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما حظيت به الزيارة من اهتمام الأوساط السياسية والاقتصادية السعودية، وتجسد ذلك «الاهتمام»، في أنه للمرة الأولى، ولأكثر من ثمانين عاماً من تاريخ العلاقات الثنائية، يزور المملكة رئيس الدولة الروسية، ويتمثل الشيء بالغ الأهمية بالنسبة للجانب السعودي في هذا الإطار، في التأكيد على أن زيارة بوتين هي «زيارة رد»، وأن زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى موسكو «وضعت الأساس لشراكة إستراتيجية» بين البلدين و«ساعدت التحرك اللاحق للعلاقات السعودية الروسية في مجالات السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والتعليم». بالإضافة إلى ذلك، تتمثل أهمية زيارة بوتين في أن الطرفين بلغا التفاهم المتبادل بشأن الكثير من القضايا الدولية والإقليمية، ينعكس في التأييد الروسي لمبادرة تسوية النزاع في منطقة الشرق الأوسط، التي طرحها الملك عبد الله في مارس 2002، في قمة بيروت لجامعة الدول العربية والتأييد الروسي لهذه المبادرة يدل على أنهم، في روسيا، يرون فيها حلا سياسيا مقبولا، ومخرجا من الأزمة يقتضي وجود دولتين معترف بهما دوليا ـ فلسطين وإسرائيل.

كذلك، جرى الحديث عشية زيارة بوتين إلى الرياض عن العنصر الاقتصادي للعلاقات السعودية ـ الروسية الذي «لم يتقدم بالشكل الكافي» ومنذ زيارة الملك عبد الله لموسكو، ظهرت أدوات (مختلف اللجان الاقتصادية السعودية ـ الروسية المشتركة، وكذلك مجلس الأعمال السعودي ـ الروسي) يمكن للبلدين، بالاعتماد عليها، تطوير علاقاتهما الاقتصادية المثمرة. ولا يزال المستوى الراهن للعلاقات الاقتصادية السعودية الروسية في بداية مرحلة تشكلها.

وقبيل زيارة بوتين إلى المملكة برز التفاؤل بأن هذه الزيارة ستشكل «دفعة قوية» لترسيخ العلاقات الاقتصادية، التي سيجريها «أعضاء الوفد الروسي، والخبراء الاقتصاديون ورجال الأعمال» خلال جولة الرئيس الروسي.

جرت زيارة بوتين إلى السعودية في الفترة 11 ـ 12 فبراير 2007، وخلالها وقع الجانبان مجموعة من الوثائق الهامة لتطوير العلاقات الثنائية، وخلال الزيارة التقى بوتين الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وخلال هذا اللقاء ناقش الأمير سلطان وبوتين آفاق التعاون بين البلدين الصديقين، وكذلك سبل تعزيز هذا التعاون. وفي التصريح الذي أدلى به الأمير سلطان بشأن «تنويع مصادر الأسلحة» للقوات المسلحة السعودية، على الافتراض بأن هذه المحادثات بين الرئيس الروسي والشخصية الثانية في القيادة السياسية السعودية، تناولت قضايا التعاون العسكري بين البلدين، ويؤكد ذلك وجود ممثل عن وكالة تصدير الأسلحة الروسية (روسوأوبورونإيكسبورت) في تشكيلة الوفد الروسي. ومع ذلك، فإن قائمة الوثائق السعودية ـ الروسية الموقعة ليست كبيرة، ولا تدل على انفراج جدي في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وفي حديثه في 15 فبراير 2007، في الرياض خلال المؤتمر الصحافي الدوري، أكد الأمير سعود الفيصل فرضية الرئيس الروسي عن أن «المملكة العربية السعودية لا ترى أية عوائق أمام التعاون مع روسيا في جميع المجالات، بما فيها المجال العسكري من جهة، والطاقة النووية من جهة أخرى»، وبحسب رأيه، فقد عقدت أثناء زيارة بوتين مباحثات ذات صلة، إلا أن الوزير أشار إلى أنه «فيما يتعلق بمجال الأسلحة، فإن التعاون يمكن أن يتطور على أساس ما تود الرياض الحصول عليه، وكذلك وفقاً لما هو متوفر في روسيا، وإذا كانت للرياض مصلحة في ذلك».

وأشار الفيصل إلى «أن الجانبين لم يتطرقا في المفاوضات بهذا الشأن لأي عرض روسي، أو طلب سعودي ممكن». غير أن الملك عبد الله بدا أكثر تحفظاً إزاء هذه القضايا، ففي معرض رده على أسئلة نائب رئيس تحرير صحف «إيزفيستيا» موسكو عشية زيارة الرئيس الروسي، أشار فقط إلى وجود «قدرات اقتصادية ضخمة» بين الجانبين، مشدداً على ضرورة «تكثيف» التعاون الثنائي في مجال التبادل العلمي، «والمجالات التعليمية والتقنية». ومع ذلك، يبدو أن بعض المسائل المرتبطة بما دعاها الرئيس الروسي «بلوحة الفرص» تبدو للجانب السعودي جذابة.

في المؤتمر الصحافي في 15 فبراير 2007، تحدث الأمير سعود الفيصل عن أنه، خلال زيارة الرئيس بوتين، «أجرى المسؤولون الرسميون، الروس والسعوديون، نقاشاً واسعاً بشأن العرض النووي الروسي». وبعبارة أخرى، فإن روسيا يمكن أن تشارك في الصياغة المقبلة للبرنامج النووي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي تم الإعلان عنه في ديسمبر 2006، في قمة الرياض لدول المجلس.

إن المرحلة الحالية من تطور التعاون بين البلدين ما زالت فترة تشاور متبادل، تتبلور فيها الاتجاهات الرئيسية للتعاون المستقبلي، يوجد في طريق هذا التعاون «الكثير من العقبات»، إذ لا يوجد إلى الآن اتفاق حكومي بين الدولتين بشأن الحماية المتبادلة، وتشجيع الاستثمارات، هذا بالإضافة إلى افتقار البلدين إلى المواصلات البحرية والجوية. وبطبيعة الحال، لا يمكن اختزال القضايا المتصلة بالتفاعل الروسي ـ السعودي فقط في مسألة توسيع التفاعل التجاري ـ الاقتصادي للبلدين. فالتفاعل الاقتصادي بين البلدين، بالنسبة للجانب السعودي (وينسحب ذلك أيضاً على الجانب الروسي)، يشتمل على قدر كبير من السياسة، وهذا ما وصفه الأمير سعود الفيصل «بالتعاون في معالجة القضايا ذات الطابع الإقليمي والدولي، ومسائل الاقتصاد العالمي». وما زالت المصلحة السعودية في استقرار سوق الطاقة العالمية، مجرد فكرة لدى روسيا.

لم تلق كل من تصريحات أمين مجلس الأمن الروسي إيغور إيفانوف خلال زيارته إلى إيران، عشية زيارة الرئيس الروسي للرياض، ومبادرة روسيا إلى إنشاء نظام أمني في الخليج يضم روسيا وإيران، أي اهتمام من الجانب السعودي ففي اختتام المباحثات مع عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية في 6 فبراير 2007، أقر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، من حيث الجوهر، أن روسيا لم تتلق «أية إشارات من دول الخليج الأخرى» بشأن اقتراح إيفانوف.

أخيرا: التطلعات لنتائج زيارة الأمير سلطان إلى موسكو، كبيرة لاعتبارات هامة، حيث أن الأساس الرئيس للعلاقات الثنائية تأكد من خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين لموسكو في سبتمبر 2003، وزيارة الرد التي قام بها الرئيس بوتين للرياض في فبراير 2007، وما نتج عن هاتين الزيارتين من نتائج هامة، وتوقيع العديد من الاتفاقات الثنائية في مجالات متعددة، وما تم بين تلك الزيارتين من لقاءات متعددة المستويات لمسؤولي البلدين خلقت الكثير من نقاط التفاهم والتشابه في وجهات النظر حيال القضايا الراهنة، بجانب ذلك فرضت الأحداث الدولية والإقليمية ضرورة الاتجاه نحو بعضهما بخطوات أخرى عميقة وقوية توازي حجم التحديات المعاصرة، لذا جاءت زيارة ولي العهد.

* أكاديمي سعودي

[email protected]