أحزان لبنانية

TT

لبنان قرر أن يحبس أنفاس مواطنيه والعالم حتى اللحظات الأخيرة في سياق اختيار رئيس جديد للجمهورية. صراعات غريبة، ومواقف أغرب لأجل الوصول لصيغة يطلقون عليها باستغراب «الخيار التوافقي» وهو جملة شبه مستحيلة في جو بني على التباين الطائفي، وثبت بالاعتراف والإقرار الدستوري في أغرب صيغة ديمقراطية أسست التفرقة ما بين أبناء الوطن الواحد وجعلته في شكل مؤسس وأشبه بالثابت.

لبنان يجب أن يجد صيغة للتصالح مع نفسه والخروج من حال الريبة والشك والقلق المبني داخل مؤسساته المختلفة، والمنعكسة على أبناء الشعب. ولبنان اليوم يشكل قمة التناقض الواضح الذي يظهر في أشكاله المختلفة في العالم العربي، فظاهر لبنان أنه البلد «الغربي» و«المودرن» والمنادي بالليبرالية والانفتاح والفكر المستنير والحريات والدفاع عنها، ولكنه في حقيقة الأمر ومن خلال الخطابات والفكر السياسي يشكل لبنان قمة التعصب والتمذهب الفئوي والديني بصورة رجعية مع شديد الأسف، ولعل المجازر التي ارتكبت بين أفراد الدين الواحد بحجة الاستيلاء على «المكانة الأبرز» داخل الطائفة يهدد الوصول للسلطة السياسية المنشودة.

لم تعد حجة أن «ما حاك للبنان هو صنيعة الأشقاء والدول الخارجية»، مقنعة ولا قابلة «للهضم» فالمشكلة من الواضح أنها لبنانية في المقام الأول، وأن اللبنانيين بحاجة لأن يواجهوا ذلك ويسعوا لحله بإخلاص وجدية.

المشهد اللبناني تحول الى شأن «سخيف» لأنه من غير الممكن أن بلدا يضم كل هذه المجاميع والطوائف لا يدرك أنه بدون صيغة «غير» طائفية سيكون قابلا للعيش، وليسأل في ذلك سويسرا أو سنغافورة وغيرهما اللتين وجدتا الصيغة المناسبة لمواجهة المشكلة بشكل جدي.

في يوم من الأيام حينما شرع الموارنة في لبنان «المكانة» المميزة لهم و«حق» الاستقواء بالأم الحنون فرنسا كطرف خارجي ثابت لم يكونوا يدركون أنهم بذلك يشرعون سابقة خطيرة ويؤسسون لها، فها هو حزب الله يأخذ صفحة من الكتاب السياسي الماروني ويطبقه حرفيا فيشرع التوجه الجديد للهوية اللبنانية «مقاومة شيعية لبنانية» مدعومة بوضوح من أم حنون جديدة وهي الجمهورية الاسلامية الايرانية.

مع المناسبة التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر وهي الاحتفال بعيد الاستقلال واستحقاق رئاسي جديد، تظهر الآلام اللبنانية بوضوح والعلل السياسية تتطلب العلاج وتستجديه ولكن الدواء هو داخلي ويجب أن يكون لبنانيا، وإذا لم يستيقظ اللبنانيون جميعا باتجاه ذلك سيبقى القرار السياسي فيه فرصة سانحة لكل من هب ودب أن يتدخل، مع عدم إغفال أن اللبنانيين أنفسهم هم الذين يفرشون البساط الأحمر لذلك.

[email protected]