هل تصبح الرواية ديوان العرب الجديد؟

TT

الشعر هو ابن العرب البكر، وخبزهم، ومصدر فخرهم، وظل ـ على مدى قرون ـ سفيرهم «فوق العادة» وديوانهم المعتمد، ولكن يصعب القول بأن مكانته لم تزل كما هي، فلقد دارت به طواحين الزمن، فنزل من عليائه ـ على يد البعض ـ إلى أسواق النخاسة، يباع فيها ويشرى، واختلط تحت رايته شعراء و«متشاعرون»، وعباقرة وسماسرة، ومداحون و«رداحون»، ولا ينفي ذلك وجود شرفاء حفظوا قصائدهم حرائر لم تسق كما تساق الإماء.

وعلى عكس الشعر نجد الرواية تبني مجدها بثبات، فلم تنزلق حتى الآن في أتون المديح الزائف، والنفاق الفج، وظلت عملا إبداعيا أكثر شجاعة على ملامسة الحقيقة، وأجرأ على كشف المستور.. ويخطئ من يظن أن الرواية فن أدبي حصل على هويته العربية بالتجنس، فثمة من يؤكد من الأدباء أمثال: جمال الغيطاني، وإميل حبيبي، وميرال الطحاوي، ومحمود المسعدي أنها المخطوفة التي عادت بعد قرون طويلة إلى أهلها، وهم ينقبون في سير «سيف بن ذي يزن» و«ألف ليلة وليلة» وغيرهما من الأعمال الإبداعية عن جذور الرواية العربية.

وهذه العائدة إلى أهلها من جديد، رغم حداثة عودتها استطاعت أن تطرق أبواب العالمية، وأن تصنع لأهلها من المجد أكثر مما صنع لهم ابنهم البكر الشعر، فلقد جاءت لهم الرواية بجائزة نوبل من خلال الروائي نجيب محفوظ، وجلبت لأهلها من العز أيضا تلك الترجمات العالمية لعدد من الأعمال الروائية العربية، بينما بقي حال الشعر كحال الجندي في الأساطير القديمة، كل ما تقدم خطوة تراجع إلى الخلف خطوتين..

وليعذرنا الشعراء «الشعراء» فلقد كثر الغث وعز الجميل، ولو كنت شاعرا لأطبقت ببيوت شعري على رؤوس المتشاعرين والسماسرة، وكل الشعراء «الشيك»، ليعود الشعر بريئا كيوم ولدته الخنساء، وساد به زهير، وتجلد به عنترة، وتغنى به نزار.. ومن الآن إلى أن يتحقق ذلك للشعر علينا أن نحتفل في عصرنا بمولد روائيينا كما كانت القبيلة في الزمن البعيد تحتفل بمولد شعرائها.. فالرواية أصبحت اليوم ـ أو توشك أن تصبح ـ ديوان العرب الجديد، ومستودع أسرارهم، وسيدة فنونهم.. وللشعر أمنيات بأزمنة أكثر نقاء.