أنا البوليس في «أنابوليس»

TT

السيدات والسادة حضور مؤتمر السلام في «أنابوليس»، أنا الرئيس الأمريكي «وأنا البوليس»، اخترت لكم وللسلام أن ينعقد مؤتمره في «أنابوليس» المدينة الأمريكية الصغيرة جدا التي يفوح اسمها بالبوليسية حتى تتذكروا أني «أنا البوليس»، بل «أنابوليس» العالم كله وليس عملية السلام في الشرق الأوسط فحسب، ألستم أنتم يا سادة من يروج في العالم مصطلح «أمريكا بوليس العالم؟» فلتهنأوا ببوليسيتنا في «أنابوليس».

في «أنابوليس» ياسادة أنا البوليس الذي اختار التوقيت لإرساء السلام بالمقاييس البوليسية وليس بمقاييس العدل العالمية، بدليل أني لم أتذكر القضية الفلسطينية طوال فترتي رئاستي إلا وأنا أودع، وبدليل أن أمريكا هي البوليس الذي فرض على الجانب الفلسطيني التنازلات تلو التنازلات ونحن نطمع في هذا المؤتمر في المزيد من التنازلات، ومن يعترض فليتذكر أننا في «أنابوليس» وأنا البوليس.

أيها السادة الحضور، هل سمعتم أن مشكلة في الدنيا وقعت بين أربعة أطراف وتوجه الدعوة للمفاوضات حولها الى 48 طرفا؟ هذا لا يحدث إلا في «أنابوليس» ولأنني أنا البوليس، نعم يا سادة في «أنابوليس» ليس هناك برنامج واضح للمؤتمر كله، بل ليس هناك برنامج مفاوضات محدد بزمن، أو حتى موضوعات جادة يمكن أن تؤدي إلى الاحتمالات النهائية لتوطيد سلام في المنطقة، جمعناكم لأننا فقط نريد ان نجمعكم، ألا ترون يا سادة أن هذا التبرير يذكر أصدقاءنا العرب بقول الشاعر العربي «كأننا والماء من حولنا *** قوم جلوس حولهم ماء»؟

ايها المؤتمرون، في «أنابوليس» أنا البوليس الذي ينظم سير المبادرات، فأسمح بالمرور للمبادرة التي تدخل مزاجي وترضي أحبابنا الإسرائيليين، ومنها تلك التي تنطلق من إسرائيل الدولة الوحيدة المتحضرة في المنطقة، أما المبادرات العربية ومنها المبادرة العربية الأخيرة للسلام فمع أنها ستعترف بإسرائيل وبالتطبيع الكامل معها مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة وبالتحديد ما قبل حرب 76، إلا انني وأنا في «أنابوليس» أؤكد أنني «أنا البوليس» فلا أسمح لها بالمرور، بل إن تنظيمي لهذا المؤتمر هو في حد ذاته عبارة عن قسيمة مخالفة بوليسية في حق المبادرة العربية أصدرتها أنا البوليس في «أنابوليس».

أيها السيدات والسادة حضور المؤتمر، لقد نقلت إلي استخباراتي أن همهمات وهمسات تدور بينكم تقلل من شأن المؤتمر وتشكك في جدواه وتتساءل: كيف لهذا المؤتمر أن يحسم قضية معقدة مثل القضية الفلسطينية استعصت على الحل منذ أكثر من نصف قرن؟ وبلغتني شكوككم حول جدوى جهودنا لاستعادة الأراضي العربية المحتلة، الضفة للفلسطينيين والجولان لسوريا، وعودة اللاجئين والتطبيع مع إسرائيل؟ تساؤلاتكم هذه يا سادة لا تهمني ولست من الغباء حتى تفوت علي، عفوا ممكن تفوت علي، لكن لا يمكن أن تفوت على المستشارين، أنا بكل صراحة أريد ان أنهي فترة رئاستي بمحاولة سلام «أي كلام»! المهم أن الصور الفوتوغرافية ستبقى للتاريخ وستحكي أنني جمعت المتخاصمين وممثلي دول مهمة في العالم في مخفر «أنابوليس» مع أن الكل يدرك ـ وأنا معهم ـ أننا لن نحسم قضية الشرق الأوسط، يكفيني فخرا يا سادة أنني «أنا البوليس» الوحيد أقصد الرئيس الأمريكي الوحيد الذي فرض إرادته البوليسية في «أنابوليس» للحضور من أجل الحضور لمجرد الحضور وبرضى الجميع، وبعد حين سينسى الناس الحضور لمجرد الحضور، ويتذكرون الصور الفوتوغرافية فيمنحوني جائزة نوبل للسلام وعليكم الشالوم. تصفيق حاد.

[email protected]