الخروج المر

TT

انتهت مرحلة الرئاسة اللبنانية التي تولاها إميل لحود ، وهي المرحلة التي ستدخل التاريخ كأسوأ فترة تشهدها الرئاسة الأولى ، وهي التي تعرض فيها لعزلة عالمية غير مسبوقة وساهمت بشكل مباشر في إحداث انقسامات بين اللبنانيين أنفسهم لم يشهدوا لها مثيلا في فترات السلم أبدا، والطريقة التي قرر لحود أن يختتم بها فترته الرئاسية، كان فيها الكثير من الاخراج المسرحي والإثارة المبالغ فيها والتي لا داعي لها، وتؤكد أن حكم العسكر مهما كان ظاهره وشكله مغريا ومتحضرا، إلا أن عشقه الدائم للسلطة لابد مهما طال الوقت من اللجوء لعصا نظام الطوارئ.

والطريف في الموضوع هو تسييس نظام الطوارئ لأجل تعكير الصفو السياسي ، وتعكير إمكانية انتخاب رئيس للجمهورية بشكل سوي وذلك عن طريق إدخال الجيش كعنصر مباشر وطرف في اللعبة السياسية بلبنان. وكم كان طريفا الاعلان الأخير الذي ختم به لحود حياته الرئاسية بالقول ان الوضع بات يتطلب تعامل طوارئ معه، وكيف فاته التعامل بذات الأسلوب ورئيس وزرائه يغتال في جريمة نكراء زلزلت البلد، وجرت معها سلسلة من النواب والأسماء اللامعة والمواطنين في أكبر موجة اغتيالات منظمة تشهدها البلاد، وبدون معرفة الجاني أو من وراءه، إضافة لتحقيق محققين دوليين يبحثون في خبايا الحقائق المخفية ويحاولون الحصول على أقاويل الشهود الذين أصابهم الرعب جراء التهديدات التي لقوها في حالة إدلائهم بأية أقوال .. كل هذا الجو المرعب والدماء التي أسيلت لا يستدعي إعلان حالة الطوارئ ؟

وسط مدينة يحتل من قبل مجموعة من المرتزقة والمنتفعين ويتسببون في تعطيل أرزاق الناس بدون أي سبب وجيه او مقنع، كل ذلك لا يستدعي إعلان حالة الطوارئ ؟

إميل لحود جاء بخطاب قسم ظن فيه أنه سيكون صانعا للتاريخ وكاتبا جديدا للدور الرئاسي اللبناني، واستمد نشوة غير مسبوقة بتشبيه الناس له بالرئيس الأهم والأبرز في التاريخ اللبناني وهو العسكري القدير فؤاد شهاب، ولكن ظهر للناس جليا الفارق مع مرور الأيام، حتى جاء التجديد القسري وبالإجبار وضد خيارات الناس ورضاهم، ولم يستجب لنداءات الناس بعدم قبول هذا الأمر، وهو الذي قضى فعليا على أي رمق قبول كان لديه عند الناس، وأصبح استمراره في الكرسي الرئاسي عليه علامات استفهام وتعجب بلا نهاية.

جاء إميل لحود للحكم كالحلم بالنسبة للبعض الآخر، وخرج كالكابوس الذي أزيح من على الصدور بالنسبة للاغلبية، وها هو يرحل ويستمر الجدال حول فترته إلا أن مشكلة لبنان تبقى أكبر بكثير من إميل لحود، مشكلة لبنان في نظامه الذي سيأتي بآخرين مثله.

[email protected]