توت عنخ آمون في لندن

TT

في صباح اليوم التالي لوصولي إلى العاصمة الإنجليزية لندن لافتتاح معرض الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون» بعد مرور 35 سنة على الزيارة الأولى لآثار الملك «توت» إلى لندن، وجدت نفسي ضيفاً على إذاعة الـ BBC في برنامج يذاع على الهواء مباشرة، وكانت المفاجأة وجود زوجة حفيد اللورد كارنانفون، الذي مول حفائر هيوارد كارتر مكتشف مقبرة الملك «توت عنخ آمون» في 4 نوفمبر 1922م، وقلت موجهاً إليها حديثى إن اللورد عندما مول كشف مقبرة الملك «توت» لم يكن يفعل ذلك لحبه للآثار المصرية؛ بل كان شاغله الأكبر هو الحصول على مكاسب شخصية، إضافة إلى الشهرة. وقد حاول اللورد بشتى الطرق أن يؤكد للحكومة المصرية أن مقبرة الملك «توت» لم تكتشف سليمة وأنها فتحت من قبل، وذلك لكي يقتسم محتويات المقبرة مع الحكومة المصرية؛ لأن القانون المصري كان في ذلك الوقت يقبل قسمة الآثار بين المتحف المصري والبعثة الأجنبية المكتشفة للآثار في حالة ما إذا كانت مقبرة غير كاملة، أو سرقت من قبل في العهود القديمة، أما في حالة الكشف عن مقبرة سليمة كاملة المحتويات فكانت الحكومة المصرية تحتفظ بكل ما يتم الكشف عنه. وعندما فشل اللورد كارنانفون ومعه هيوارد كارتر في مسعاهما، بدأ اللورد في التسلل ليلاً إلى مقبرة الفرعون الصغير «توت عنخ آمون» وسرقة بعض كنوز المقبرة التي لا تقدر بمال، وذلك سواء بعلم هيوارد كارتر أو بدون علمه. وكان من أخطاء اللورد أيضاً هو أنه أعطى لنفسه الحق في توقيع حقوق نشر أخبار الكشف لصحف بعينها، فمنح الـ London Times فقط دون غيرها حق نشر أخبار المقبرة. وبقلعة اللورد في Highclere يوجد العديد من القطع الأثرية المصرية، وقرر حفيده مؤخراً الاستفادة المادية من هذه الكنوز فقرر فتح القلعة للزيارة وتحصيل رسوم، وقلت لزوجة الحفيد إننا نرفض عرض الآثار داخل المنازل الخاصة؛ ومكانها الطبيعي هو المتاحف والبلاد التي خرجت منها.

وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد داخل قبة الألفية ويطلق عليها (02)، حضر أكثر من 420 صحافيا، وكان الجميع يتندر على هذا الحضور الإعلامي الضخم بأن رئيس وزراء بريطانيا لو نادى بعقد مؤتمر صحافي لما حضره نصف هذا العدد؟! وكان بعض الصحافيين ووسائل الإعلام الإنجليزية متحفزين للهجوم على المعرض؛ وذلك لأننا لم نرسل القناع الذهبي الشهير للملك «توت عنخ آمون»، والذي عرض من قبل في لندن منذ 35 عاما. وقلت في حديثي إن «توت عنخ آمون» يعود مرة أخرى ليقدم نفسه وعائلته وإن مصر لن تقدم وجبة عشاء مجانية للإنجليز مرة أخرى، حيث لم يعد المعرض الأول الذي عرض فيه 55 قطعة من أندر ما عثر عليه بالمقبرة بأي عائد مادي لمصر، على الرغم من أن المتاحف التي عرض فيها «توت عنخ آمون» مازالت تحقق أرباحاً من عمل النماذج المقلدة للآثار التي خرجت من قبل، ولذلك فإن هذا المعرض الحالي بلندن سوف يعود على مصر بأكثر من 140 مليون دولار، تخصص للمساهمة في بناء المتحف المصري الكبير. وقد تم الافتتاح الرسمي للمعرض بحضور السيدة سوزان مبارك والأمير تشارلز وكاميلا، وكان المفروض أن تستغرق مراسم افتتاح المعرض حوالي نصف الساعة، ولكن السيدة سوزان مبارك أصرت على أن يشاهد الأمير تشارلز وكبار الزوار روائع «توت عنخ آمون»، وكانت تتوجه بنفسها إلى بعض القطع للفت انتباه الحاضرين إلى أهمية هذه القطع، وخاصة التابوت الصغير الذي حفظ به كبد الملك. وفي مساء يوم الافتتاح تمت إقامة حفل حضره أكثر من ثلاثمائة مدعو من الشخصيات العالمية في مجال الفن والسينما والسياسة والثقافة.. حقاً جعل الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون» من نفسه نجم النجوم في سماء العاصمة لندن.