الشاعر والخدود الحمر

TT

مر صديقي الشاعر زاهد محمد بمرحلة مُرة من ضيق العيش إبان العهد الملكي في العراق. كان ذلك بعد طرده ضمن من طردوا من الطلبة الشيوعيين بعد إغلاق كلية الملك فيصل في بغداد. استطاع الحصول على عمل في السكك الحديدية ولكنه عاد لنشاطه السياسي الذي أسفر في الأخير مرة أخرى عن طرده من وظيفته. راح يجوب المدن العراقية بحثا عن عمل. ذكروا حاجة صاحب مكتبة في النجف لمساعد يعينه في عمله في تحرير الكتب. فركب الباص وتوجه الى المدينة .

كانت المكتبة على مسافة قصيرة من مرقد الإمام علي. توجه اليها بكل همة وأمل. ولكنه وجد صاحب المكتبة غائبا في أداء الصلاة مع الآخرين ولم يكن أخونا أبو عمار واحدا منهم. فجلس جانبا ينتظر عودته. ولكن الشاعر الساخر وقعت عيناه أثناء ذلك على خادمة إيرانية فاتنة القامة رائعة الحسن تميزت كمعظم الإيرانيات بخدودها الحمر. وهو ما اعتاد العراقيون على أن يطلقوا عليه «خدود تفاح العجم».

وكما نتوقع من شاعر رومانسي شاب، توله بها وهام بحمرة خدودها. لم يعد صاحب المكتبة واقتضى على أخينا زاهد أن ينصرف ويأتي في اليوم التالي، ثم اليوم الذي بعده. وتوالت الأيام والمواعيد، وفي كل يوم يواجه زاهد هذا الوجه الصبوح ويزداد هياما به. لم يكن يحسن الفارسية ليكلمها ولا هي عرفت العربية لتكلمه، وهو مصير مألوف لدى القادمين من العالم العربي الى عواصم الدول الغربية ومتنزهاتها.

هكذا قضى الشاعر أيامه بين انسداد أوجه الرزق وصدود الوجه الجميل. والظاهر أن صاحب المكتبة توجس شرا من وجود هذا الشاب الوسيم في مكتبته مقابل تلك الخادمة الإيرانية الحسناء فصرف النظر عن توظيفه. ما الذي نتوقعه من الشعراء في مثل هذا الموقف؟ وهل غير تدفق القريحة الشاعرية بالقريض؟

كان زاهد من الشعراء الذين اشتهروا بقصائدهم السياسية، وبصورة خاصة الهجاء منها، ولكنني من المطلعين على الكثير من قصائده وأشعاره في ميادين الغزل والنسيب وإن خالطتها روح الدعابة في اغلب الأحوال كما في هذه الحالة. ما خرج من مدينة النجف إلا ومشق قصيدة طويلة يتصبب فيها بتلك الخادمة الإيرانية وما اثارت في قلبه من العواطف. وصاغها على طريقته التلقائية في قالب الشعر الشعبي وبلهجة الجنوب، الديرة التي تحدرت منها أسرة الشاعر. توجه بخطابه الى الإمام علي بن أبي طالب وهو بجوار ضريحه وفي ظل قبته ومنائره الذهبية، فقال مما قاله في قصيدته الوجدانية التي اقتطف منها المقطع الآتي. والقصيدة وحكايتها تعكسان هذا الازدواج المألوف عبر العصور بين الإيمان والحب:

يا علي الكرّار، يا حامي الحمى

ابن ملجم صوّبك واجرى الدمى

لكن آني بالقلب بنـت ملجمى

صوبتني وخذت عقلي يا علي!

حرت شاوصف مقتلك أو مقتلي؟