راهنوا على هذا الزعيم

TT

في أنابوليس تحتاج كل الأطراف ليس الى مشروع سلام عادل فقط مهما كانت مواصفاته، بل إلى زعيم يقنع المنطقة بأن السلام عادل. السر هنا في كلمة زعيم، وفي أنابوليس زعيم حقيقي لم يخترع، بل بلغ سدة القيادة بإجماع رفاقه. نحن امام ظاهرة زعيم حقيقي للفلسطينيين هو الرئيس محمود عباس.

والعرب ليسوا وحدهم من يحتاج الى رموز، الفارق انهم اكثر حاجة الى زعامات تاريخية من بقية الشعوب نظرا لضخامة قضاياهم، وبسبب ضعف معظم الشرعيات التي تحكمهم. الزعيم الرمز حاجة حقيقية لأنه لا يستطيع أي رئيس ان يزعم انه خيار حر من الناس، بالتالي فقراره ليس قرارهم، وأي قرار خطير يقدم عليه من مسؤوليته وحده، وليست على مواطنيه. والزعامة في المجتمع الفلسطيني دائما مسألة اكثر الحاحا، نظرا للخيبات المتكررة، والخسائر الفادحة، والانتظار الطويل جدا في حياة الناس. ففي حياة كل فلسطيني قصة ومأساة، ولا يزال ينتظر وفي جيبه مفتاح وأمله دائما في زعيم منتظر. اليوم نحن أمام رجل يحترمه الفلسطينيون، ويحترمه العالم، وقلما اجتمعت الأطراف على اختلافها على احترام شخص واحد. ولنكن واقعيين حيال مفاوضات أنابوليس، ففيها القليل من الأمل من المعلن، سواء الدولة او اللاجئين او الحدود. المختلف الذي تتميز به هذه المفاوضات عن سابقاتها هو نوعية القيادة الفلسطينية. ميزة غير عادية وتستحق المراهنة عليها. وربما لا تحظى قيادته بشعبية عارمة، لكنها تملك أهم من ذلك، تحظى بالثقة والاحترام. فحجم الثقة التي يملكها الرئيس محمود عباس اكبر من كل ما عرفته القيادات الفلسطينية السابقة، بما فيها قيادة الراحل ياسر عرفات، الذي كان شعبيا انما مع قليل من المصداقية. كان يدرك ذلك ولذا حافظ على جماهيريته متجنبا التوقيع على أي شيء. فعرفات هو من صفق للرئيس انور السادات عندما اعلن عزمه على التفاوض مع اسرائيل، كان يجلس قبالته في الصف الأول، وفي الاسبوع اللاحق توارى عرفات عن الانظار، تاركا الرئيس المصري لوحده. عاش ومات عرفات زعيما محبوبا لكنه لم يكن موثوقا به. أما عباس فربما لا يستطيع ان يلهب حماس الجماهير ولا يعرف كيف يدغدغ عواطفهم، لكنه قطعا يمتلك ثقتهم، بدليل أن حماس ذات السمعة الرائعة تكسرت أمام عباس يوم جربت مواجهته. اغلب الفلسطينيين اختاروا عباس، وليس بالضرورة فتح أو السلطة الفلسطينية فأنقذهم من مزيد من التشرذم، كما انقذ فتح قبل عامين من الانقراض، واليوم يحاول ان ينقذ القضية من الاندثار، وأضيف انه اعطى العرب شخصية جديرة بالتقدير. ان هذا الرجل يمثل صنفا مختلفا عن كثير من السياسيين العرب في صبره، وحكمته، واستقامته السياسية، وصورته كأب لشعبه. وإذا كان هناك أمل في نجاح المفاوضات التي بدأت أمس فإن الأمل معلق في رقبة الرئيس عباس ان يحارب من اجل مواطنيه، ومن أجل العالم الذي يرفض الظلم وينشد حلا جادا للمأساة الفلسطينية. أبو مازن هو الرجل الذي أعاد للقضية الفلسطينية احترام العالم لها، بعد أن شوهتها النزاعات الداخلية، والمساومات العربية. وإذا كان للرئيس جورج بوش، راعي المفاوضات، من طموح في إنجاح مشروعه، فعليه أن يضع كل ثقله وراء هذا الرجل المهم في تاريخ الفلسطينيين اليوم. وعلى حماس، في الضفة الأخرى، أن تعي أنها تواجه رجلا كبيرا لن تستطيع أن تلغيه بخطابها الغوغائي أو التحريضي.

[email protected]