لبنان وخطر وضع اليد

TT

يتعرض شعب لبنان لمواجهة قاسية يقودها بالتناوب النظامان الايراني والسوري بهدف تدفيعه ثمن تجرؤه على محاولة بلورة نموذج يناقض ما رسم له من دور.

الدور كان يقتضي على الدوام ان يكون لبنان الفناء الخلفي لهذا النظام او المشاع المعد لكل انواع الاستخدام الاقتصادي والأمني والسياسي. هذا النمط في الحكم كاد ينتج اختناقا شاملا في النظام السوري. ولتفادي المأزق كان لا بد من رئة استخدامية وظيفية تؤمن دورا رئيسيا في الاستمرارية بالتأكيد الى جانب تأمينات اخرى ولكن اقل حيوية وأهمية. العامل الذي ساعد في تسهيل هذا المخطط للنظام السوري هو الوجود الحيوي للدور الفلسطيني منذ السبعينات، اي مع بداية تسلم آل الاسد كل مقاليد السلطة في نظام البعث. وهذا الحضور الفلسطيني شكل إغراء وقبولا لدى جهات عدة نافذة وقادرة سهلت له الدور. يضاف الى ذلك اعطاب النظام اللبناني وأخطاء الممارسات السياسية التي طالما شجعها واستخدمها لتشكل مقدمات لوضع يده على لبنان.

فاجأ المجتمع اللبناني النظام السوري بمدى حيويته وقوته رغم إعطابه. هذا المجتمع، وحكماً عبر تيارات سياسية، تمكن بما يختزنه من تعلق بالحريات من كسر التقليد السائد في الحروب العربية والإسرائيلية. ومنذ سنة 1982 حتى سنة 2000 تمكن من ان يخوض تجربة رائدة انجزت التحرير وأجبرت اسرائيل على الانسحاب.

تنبه النظام السوري لهذه الظاهرة وحاول وضع اليد عليها. ولما مانعنا نحن المؤسسين ـ أعني اليسار اللبناني عبر جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ـ عمد الى الغائنا جسديا وبشراسة لا مثيل لها موكلا المهمة (خاصة انه حاك حلفه مع النظام الايراني) الى حزب الله عبر المقاومة الاسلامية، وتمكن من ذلك عام 1989 فأحكم قبضته على المقاومة الاسلامية التي لعبت دورا كبيرا في استكمال التحرير في مراحله الاخيرة، لاننا كنا قد انجزنا الدور الاكبر وحررنا ما يقارب السبعين في المئة من الارض المحتلة وتبقى الشريط الحدودي وجزين. سنة 2000 تم التحرير وكان منطقيا ان يشكل هذا التطور الكبير اساسا لاندفاعة المجتمع اللبناني المتعطش للحرية والذي ذاق الامرين من سلطة المخابرات. فتنامت موجة المطالبة بالسيادة وبحق الشعب اللبناني في استعادة حقه في تقرير مصيره. أحس النظام السوري بالخطر، فلجأ الى أسلوبه المفضل، أسلوب الارهاب والإلغاء. وكانت موجة الاغتيالات التي بدل ان تكسر موجة الحرية في لبنان زادتها انتشارا وتعميما. وانتهت المواجهة بين المجتمع اللبناني وبين نظام المخابرات وأعوانه في السلطة اللبنانية وامتداداته التي بناها طوال 28 سنة من حكم الوصاية باضطرار النظام السوري لسحب قواته، لكنه انسحب ليتموضع من جديد للقيام بهجوم مضاد مستندا الى كم من اخطاء الحركة الاستقلالية اللبنانية وعاملا بجهد مكثف على اعادة تنظيم صفوف امتداداته وامتدادات النظام الايراني، وبينهما اكثر من قاسم مشترك. ونحن اليوم نعيش ذروة هجوم النظام السوري الايراني على لبنان، هذا الهجوم المستمر منذ اكثر من سنتين.

النظام السوري الايراني لن يتسامح مع التجربة اللبنانية. لن يتسامح مع نموذج انتصار المجتمعات في التغيير. لن يتحمل وجود دولة مستقلة ديمقراطية نسبيا، وخاصة لن يتسامح مع خسارة الدور اللبناني الحيوي لحياة نظامه.

لدي الكثير أقوله عن اخطاء الحركة الاستقلالية ولكن ذلك يتطلب مجالا اوسع ليكون موضوعيا. ولا شك ان نقاط ضعف النظام اللبناني تلعب لصالحهم ويعملون ليل نهار على تغذيتها ودعمها بشكل سخي. لبنان تجربة بحاجة أولاً الى مزيد من الصمود الداخلي والتعميم في الممارسة الاستقلالية. وكذلك لبنان تجربة لا يجوز إلا ان تعطى كل الدعم العربي الذي استحقته وتستحقه بما هي علامة فارقة في مفصل التحول العربي. لبنان بلد صغير ولكنه علامة فارقة تحمل الكثير من الرموز والدلالات، ولذلك نشهد شراسة المحاولة لضمه الى محور النظام الايراني السوري، ولهذا السبب ننتظر مزيدا من الاحتضان الدولي والعربي، حكما بالاستناد الى المزيد من تطور دينامية الدور الداخلي الاستقلالي.

كلمة اخيرة: ان حزب الله بمسلكه، منذ انسحاب القوات السورية من لبنان، ينزلق عن وعي او بدون وعي الى التفريط بأهم إرث لبناني وعربي، إرث المقاومة بما هي عامل اساس في بناء الدولة والاستقلال. وعليه ان ينتبه انه بات يشكل عاملا مهددا للتوازن الداخلي اللبناني وعامل تخويف بعدما كانت المقاومة بكل إرثها عامل توحيد. وبهذا المعنى فهو يوجه اساءة كبيرة الى تجربة المقاومة في لبنان وغير لبنان، وبات يخيف اللبنانيين اكثر من إخافته اسرائيل!

ان نجاح لبنان اليوم في استكمال بناء الدولة، وخاصة عبر استكمال الاستحقاق الرئاسي بما يتناسب وتكامل معركة التحرير ومعركة رفع الوصاية، سيخرج لبنان من عنق الزجاجة ويعيده الى بيئته العربية بجهوزية كاملة للعب دور شديد الايجابية.

ان النظام السوري لن يستطيع الانتقال الحقيقي الى معسكر الاعتدال العربي طالما هو يمارس البازار والابتزاز والمناورة. فكيف يكون معتدلا من يحاول معاودة وضع اليد على بلد عربي بواسطة التخريب والتقسيم والإرهاب؟

* نائب في البرلمان اللبناني