النص المنسي في اتفاق الطائف

TT

بين ملف ايران النووي وملف أنابوليس الإسرائيلي وعقد الطوائف الظمآنة والقلوب الملآنة في لبنان، تبدو تجربة أسبوع الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا مفعمة بالعبر. الكل في لبنان يتحدث عن «خطورة» حالة الفراغ الرئاسي و«خطورة» استمرارها لاكثر من اسبوع، متغاضين عن كون حالة الفراغ هذه قائمة عملياً منذ ثلاث سنوات (تاريخ التمديد السوري للرئيس اللبناني).. فماذا يضيرها إن استمرت اسبوعاً آخر؟ بل ماذا يضير لبنان إن انطلق من تجربة اسبوع الفراغ الرئاسي المؤقت لا ليملأ الفراغ برئيس قد يكون الفراغ افضل منه، بل ليحوّل الكيان اللبناني الى وطن لجميع اللبنانيين؟

يصعب على أيّ لبناني من أبناء التركيبة الطائفية القائمة حاليا ألا يتفهم القلق الماروني ـ بل الخوف ـ من استمرار الفراغ الرئاسي إلى ما لا تحسبون وربما تكرّسه في بلد لا شيء يدوم أمر فيه مثل «المؤقت».

قد يكون المصدر الحقيقي لهذا الخوف احتمال ان يعتاد اللبنانيون على الأمر الواقع الجديد فيستمرؤوا بقاء الحال على هذا المنوال.

عمليا، ماذا تغير على اللبنانيين في ظل ما سمي بالفراغ الرئاسي؟

حكومة الحد الادنى ما زالت تدير شؤون البلاد بحدها الادنى.

مجلس النواب المشلول ما زال «يمارس» الشللَ حتى في عملية الاستحقاق الرئاسي.

المؤسسة الوحيدة المنعتقة من التجاذبات الفئوية والطائفية، أي المؤسسة العسكرية، ما زالت تمسك بزمام الامن، وبفعالية تثبت ان تعامل أي سلطة لبنانية مع الشأن العام من خارج الاطر الطائفية والمفاهيم الفئوية هو القاعدة الاكثر قبولا من اللبناني العادي.

في ظل هذا «الستاتيكو» هل يمكن الاستنتاج بأنه لولا الاعتبارات الطائفية المتحكمة في توزيع السلطات التنفيذية والتشريعية في التركيبة اللبنانية.. لكان الافضل للبنان ان يختصر حكمه بـ«مجلس ادارة» تمثيلي، منتخب شعبيا، وجيش نظامي فحسب؟

ربما كان أكثر المسؤولين الموارنة منطقا في تقويمه «للستاتيكو» الراهن هو وزير العدل، شارل رزق، الذي دعا الى عدم اعطاء الفراغ الرئاسي «أهمية أكثر مما يستحق» مذكرا بوجود «رئاسة جماعية» بديلة هي مجلس الوزراء الذي يضم «أكثرية مسيحية».

يبقى المأخذ على ملاحظة الوزير رزق في أن مأزق الفراغ الرئاسي قد يتكرر في ظرف لن يكون فيه الوزراء المسيحيون «أكثرية» في الحكومة ليطمئن المسيحيون الى دور الحكومة، (علما بأن نسبتهم الاكثرية في حكومة فؤاد السنيورة تعود اصلا الى استقالة كل الوزراء الشيعة منها)، مما يستوجب إيجاد ضمانة دستورية ثابتة، ومن خارج منطق الاكثرية والأقلية في الحكومة، لملء أي فراغ رئاسي مؤقت من دون إثارة الحساسيات الطائفية. الوزير رزق نفسه يعتبر، واقعيا، أن «أكبر الخاسرين» في تجربة الاستحقاق الرئاسي المحبطة، كان «النظام السياسي اللبناني الذي يعيش انهيارا شبه كامل»، الامر الذي يبرز ضرورة تحصين هذا النظام من الداخل قبل ان ينهار نهائيا.

والمفارقة اللافتة على هذا الصعيد أن تحصين النظام اللبناني، وتصحيحه في الوقت نفسه، متاحان من داخله ولا يحتاج الى أكثر من تصويت للبرلمان اللبناني على تطبيق أكثر نصوص اتفاق الطائف واقعية ـ وأكثرها تجاهلا من البرلمان ـ أي النص على تشكيل مجلس شيوخ على قاعدة التمثيل المتساوي لكل الطوائف اللبنانية ومن ثم تكليفه ان يكون البديل الدستوري «الوطني» للرئيس اللبناني في حال شغور منصبه لأي سبب كان، فلا يخاف «مارون» ولا يفرح «محمد» ولا يشمت «علي».. ولا تكثر التأويلات المذهبية لشغور منصب الرئاسة.

إذا كان لا بد من ان تبقى المعادلة السياسية في لبنان طائفية فأضعف الايمان تصحيحها على أعلى مستويات السلطة ونفض الغبار عن هذا النص المنسي ـ أو المتناسي ـ في اتفاق الطائف والإسراع بعرضه على البرلمان ليس فقط لتأمين مشاركة جماعية متوازنة في أي ممارسة مؤقتة لصلاحيات الرئاسة اللبنانية بل ايضا للبدء بتحرير اللبنانيين من ثنائية نظام «المواطنين» على صعيد الواجبات الوطنية الواحدة ـ و«الرعايا» ـ على صعيد الحقوق السياسية والإدارية المتفاوتة.