الحزم مطلوب مع شارون

TT

ليس من عاصمة عربية لا تدرك طبيعة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، ولكن في الوقت ذاته ليس من عاصمة عربية واحدة ترضى للقوة العالمية الوحيدة ان ترهن مواقفها وحرية حركتها، بصورة تلقائية، لرجل مثل آرييل شارون.

المسألة ابعد من مجرد إدراك العرب وجود حد ادنى يتعذر عليهم عنده تقديم مزيد من التنازلات. وهي ابعد ايضاً من فهمهم الكامل لطبيعة العلاقة العضوية الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل.

انها بكل بساطة الوقوف بحزم امام حاكم اسرائيلي يعلن بلسانه وتصرفاته، كل يوم، بل كل ساعة، عزمه على نسف مقومات السلام الإقليمي وتدمير ما تحقق في المنطقة منذ مؤتمر مدريد.

ان آرييل شارون، حتى إذا كان الشارع الاسرائيلي قد اختاره وسط حالة هستيرية، لا يمثل جميع الاسرائيليين، ولا يمثل مصالح الاسرائيليين على المدى البعيد. وبالتالي فإقدام شارون على اخذ الشارع الاسرائيلي «رهينة» حالة شاذة، لا يجوز ان تجر صانع القرار الاميركي او الاوروبي الى موقف التحرج من المساءلة، او حتى ممارسة الضغط.

والواقع أنه منذ اشهر والعواصم العربية توجه رسائل واشارات، بعضها مباشر وبعضها الآخر ضمني، الى القيادات الاميركية والاوروبية تحذر فيها من انفراط ما تبقى من بنية الثقة بالسلام الإقليمي. وهذا ما سمعه الموفدون الاميركيون والاوروبيون الذي زاروا المنطقة بوضوح من مستقبليهم. وكانت النقطة المركزية للتحذيرات العربية هي العواقب الفظيعة لترك «حبل شارون على غاربه» بانتظار انتخابات قيادة حزب العمل او الانتخابات الاسرائيلية. فهذا المفصل قد لا يعني مطلقاً نهاية الحالة الهستيرية التي جاءت بالجنرال المتطرف، المدان في اسرائيل نفسها بالضلوع في مجزرة صبرا وشاتيلا، الى سدة الحكم. بل ربما كان منصة لتحقيقه انتصاراً اكبر واقسى... مكافأة له على ما اقترفته آلته العسكرية من جرائم خلال الاشهر الفائتة.

إذ من غير المضمون اولاً ان يقرر حزب العمل ـ كما تأمل بعض الاوساط ـ التخلي عن المشاركة في الائتلاف، وبخاصة بعدما اخفق في فرض جدول اعماله على الحكومة الحالية. وثانياً من غير المضمون ان تحمل الانتخابات الحزبية او العامة اي تغيير ايجابي طالما ظل المناخ الدولي مناخ مسايرة وصمت إزاء الممارسة الاسرائيلية في طول الاراضي المحتلة وعرضها. ان اصدقاء واشنطن قبل خصومها يتوقعون منها موقفاً واضحاً وحازماً من سياسات شارون التي تجر الجميع الى تقبّل وقوع كارثة من شأنها ضرب استقرار منطقة يؤثر استقرارها على مصالح الولايات المتحدة نفسها، ناهيك عن مصالح بقية شعوب العالم.