الهبوط من ميتشل إلى تينيت.. ثم ماذا؟

TT

كما كان متوقعاً عند أغلب المراقبين والمتابعين لما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهدنة تينيت مؤقتة، وهشة، تترنح كل لحظة تحت وطأة استمرار الاحتلال والعنف الاسرائيلي، وإصرار شارون وديناصورات التطرف في حكومته الائتلافية الصهيونية على لي عنق الحقائق والرفض العملي لتقرير لجنة التحقيق الدولية غير المتوازن أصلاً باستثناء الفقرة الداعية لوقف مصادرة الأرض باعتبارها المصدر الرئيسي لدوامة العنف، ورفض شارون كذلك التقرير كرزمة كاملة من خلال تفكيك عناصره الأربعة.

وعندما ينشط المبعوث الأمريكي الجديد الى الشرق الأوسط السيد بيرنز جاعلاً من بعض العناوين في تقرير ميتشل وورقة جورج تينيت محور حركته واتصالاته السياسية، فانه في هذا السلوك يوفر للجانب الاسرائيلي تغطية سياسية معقولة تمكن شارون وحكومته من معالجة تقرير ميتشل بطريقة انتقائية قائمة على إحداث المقاربة الكاملة للتقرير إياه ولورقة تينيت مع الموقف الاسرائيلي الداعي لوقف حركة الانتفاضة الفلسطينية وتحميل الفلسطينيين المسؤولية الأساسية عن اندلاع دوامة العنف منذ اكثر من تسعة اشهر.

فشارون يريد من تقرير ميتشل ما يراه مناسباً وهبوطاً اكثر من الهبوط الذي لاقاه التقرير ذاته عندما تحول عملياً الى ورقة جورج تينيت، ولا ندري الى أين ستهبط بدورها ورقة تينيت ما دامت السبحة مفتوحة في ظل الموقف الأمريكي البعيد جداً عن منطق الحد الأدنى من التوازن.

على هذا الأساس يصر كل من شارون والحمائمي بيريس من خلال تواتر الموقف السياسي الاسرائيلي على النظر الى تقرير ميتشل على قاعدة التتالي في تطبيق بنوده بدلاً من التوازي كما أوصى مضمون التقرير ذاته. فقاعدة التتالي تضمن لشارون وبيريس توفير درجة من الانتقائية في التعامل مع التقرير ذاته، ومع وليده المستنسخ بشكل مشوه والمسمى ورقة تينيت.

لذلك من الواضح بأن التعاطي الاسرائيلي الانتقائي الجاري الآن مع الأوراق والتقارير المقدمة، سيجعل من أوراق ميتشل وحتى من ورقة جورج تينيت مجرد أوراق ضائعة جديدة داخل الأدراج، كما ضاعت من قبلها الآلاف المكدسة من الأوراق الخاصة بفلسطين والصراع العربي والفلسطيني مع الاحتلال الاسرائيلي داخل ادراج أروقة مكاتب الأمم المتحدة والهيئات الدولية.

في الجانب الفلسطيني، فان الأمور تبدو مقلقة، حيث الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي أضحى بالفترة الأخيرة بدون معالم واضحة، اللهم سوى التأكيد على تقرير ميتشل، ومجدداً التأكيد على ورقة تينيت بعد ان طارت المطالبة بتطبيق تفاهمات شرم الشيخ الأمنية.. وفق قاعدة الجديد يلغي القديم الذي سبقه. بينما القوى الميدانية للانتفاضة تحافظ على الحد الأدنى من أشكال التلاقي والوحدة على الأرض، وعلى انتظام عملها واجتماعاتها.

وبالطبع رب قائل ينسب موقف السلطة وخطابها العائم الى ضرورات تكتيكية تمليها اللحظة السياسية، وضرورات المحافظة على خطوط التواصل والاتصال مع الادارة الأمريكية والقوى الاقليمية ذات الشأن... وهذا أمر قد يكون مقبولا بظاهره الشكلي، إلا ان المبالغة والغرق في اللعبة التكتيكية اليومية قد يذهب بكل الانتفاضة وتضحيات الشعب الفلسطيني التي قدمها خلال الشهور التي مضت الى صحراء التيه والسراب. فخطة التفاهمات الأمنية التي جاءت بها ورقة جورج تينيت لا تقدم حلولا او تفاهمات سياسية بمقدار ما تقدم حلولا امنية لاسرائيل، وانهاء للانتفاضة مقابل فك الحصار عن الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وخلاصة الأمر، ان موقفاً فلسطينياً متماسكاً على مستوى سلطة القرار الأول والخطاب السياسي، اصبح ضرورياً من اجل الحفاظ على تماسك الوضع الميداني لقوى الانتفاضة على الأرض، وإقفال الطريق أمام أي محاولات اسرائيلية او امريكية للعبث بالبيت الفلسطيني الداخلي، بيت الوحدة الوطنية.

* كاتب فلسطيني ـ دمشق